
الحكمة من الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر في الإسلام
الإيمان بالقدر خيره وشره هو أحد أركان الإيمان الستة في الإسلام، والتي يجب على المسلم أن يعتقد بها ويؤمن بها إيماناً راسخاً ويتطلب هذا الإيمان أن يؤمن المسلم بأن كل شيء يحدث في هذا الكون إنما يحدث بمشيئة الله وتقديره، سواء كان ذلك خيراً أو شراً، وأن الله قد كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض و هذا الاعتقاد يعكس فهمًا عميقًا لحكمة الله وعدله ورحمته.
مفهوم القدر في الإسلام
مفهوم القدر في الإسلام هو اعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن، ويشمل القدر الإيمان بأن كل ما يحدث في هذا الكون إنما يحدث بمشيئة الله وعلمه المسبق، سواء كان ذلك في الأمور الصغيرة أو الكبيرة، يُعتبر القدر جزءاً من علم الله الشامل الذي لا يدركه الإنسان بحواسه المحدودة.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم : " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (سورة القمر: 49)، ويقول أيضاً ، " وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا " (سورة الأحزاب : 38)، هذه الآيات وغيرها تؤكد على أن الله قد قدّر كل شيء وفق حكمته ومشيئته، وأنه لا يحدث شيء في الكون خارج عن علمه وإرادته.

أقسام القدر
يمكن تقسيم القدر إلى أربعة أقسام رئيسية :
• علم الله الشامل وهو الإيمان بأن الله يعلم كل شيء من الأزل إلى الأبد، ويعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
• الكتابة في اللوح المحفوظ وهو الإيمان بأن الله قد كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض، يقول النبي محمد ﷺ: “أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب ، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة”.
• المشيئة والإرادة وهو الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون إنما يحدث بمشيئة الله وإرادته، سواء كان ذلك خيراً أو شراً .
• الخلق والإيجاد وهو الإيمان بأن الله هو خالق كل شيء، وأنه يُوجد الأشياء ويفعل ما يشاء بحكمته ورحمته.
الحكمة من الإيمان بالقدر
يُعد الإيمان بالقدر من أعظم الأمور التي تُحقق للمؤمن السكينة والطمأنينة، لأنه يعلم أن كل ما يحدث له إنما هو بتقدير من الله وحكمته، فلا يحزن على ما فاته ولا يجزع مما أصابه، يقول النبي ﷺ “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” .
الإيمان بالقدر يعزز كذلك مفهوم التوكل على الله، فالمؤمن يعلم أن الله هو المدبر لكل الأمور، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، وهذا يدفعه إلى العمل الصالح والسعي في الدنيا معتمدًا على الله، لأنه يعلم أن النتائج ليست في يده، وإنما هي بيد الله وحده .
التوازن بين القدر والمسؤولية
رغم الإيمان بالقدر، يجب على المسلم أن يعلم أن الله قد منحه حرية الاختيار والقدرة على اتخاذ القرارات، هذا يعني أن الإنسان مسؤول عن أفعاله وسيحاسب عليها يوم القيامة، يقول الله في القرآن : "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ "وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (سورة الزلزلة: 7-8) .
هنا يظهر التوازن الدقيق بين القدر ومسؤولية الإنسان : الله قدّر كل شيء بعلمه وحكمته، ولكنه أيضًا منح الإنسان القدرة على الاختيار والعمل، هذا يضع على المسلم واجب العمل الصالح والسعي لتحقيق ما ينفعه في الدنيا والآخرة، مع علمه بأن الله هو المدبر لكل الأمور .

التحديات والابتلاءات
الإيمان بالقدر يظهر أهميته بشكل خاص عندما يواجه المسلم التحديات والابتلاءات ، فعند حدوث المصائب أو الأزمات، يجد المؤمن في إيمانه بالقدر سلوى وسكينة، حيث يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هذا الإيمان يعلمه الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، ويمنحه القوة للاستمرار والثبات أمام الشدائد .

وفي النهاية اريد ان اختم مقالي بأن : الإيمان بالقدر ركن أساسي من أركان الإيمان في الإسلام، وهو يُعبر عن التسليم بحكمة الله وعدله ورحمته. وهو ليس دعوة للاستسلام أو الكسل، بل هو دعوة للعمل والسعي مع التوكل على الله والرضا بما يقدره، الإيمان بالقدر يحقق التوازن بين السعي في الدنيا والاعتماد على الله، ويمنح المسلم الطمأنينة والسكينة في مواجهة تحديات الحياة .