سورة النجم: السورة التي أخضعت السامعين وأثارت دهشة المشركين
سورة النجم هي أحد السور المكية، وقد قال كل من ابن عباس وقتادة أنها مكية باستثناء قوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} فيقال أنها نزلت في المدينة المنورة، ولكن يجمع الكثير أن كل آياتها مكية.
نزلت سورة النجم في فترة لم تكن سهلة من نوعها، ففي تلك الفترة كان يصيب المسلمين أشد ألوان العذاب من الكفار والمشركين، وقد نزلت بعد حادثة الإسراء والمعراج، وذكر فيها رؤية الرسول لجبريل عند سدرة المنتهى، وقد قال ابن عطية الأندلسي: «سبب نزولها أن المشركين قالوا، أن محمد يقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة بعد ذلك، للتأكيد أنه وحي إلهي».
ويبلغ عدد آياتها اثنان وستون آية، وعدد كلماتها ثلاثمائة وستون كلمة، وعدد حروفها ألف وأربعمائة وخمسة أحرف، وترتيبها الثالثة والخمسون في القرآن الكريم، وقد نزلت بعد سورة الإخلاص.
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ
بدأت سورة النجم بالقسم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ} ولا يقسم الله عز وجل سوى بما هو عظيم، أما سبب بدايتها بذلك، هو أن النجم يهدي الناس للطريق الصحيح في الظلمات، وعلى نفس الطريقة الأنبياء، ثم جاء في الآية الثانية {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ}، ولم يقل رسولكم وهذا ليذكر قريش بأن محمدا هو صاحبهم الذي عرفوا عنه الصدق والأمانة.
أفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ
تتناول السورة في قسمها الثاني تصحيح الإعتقادات الخاطئة المشركون على آلهتهم الآت والعزى ومناة وهم أكبر الأصنام التي يمجدها المشركون كما يخبرنا الله عن إدعاءاتهم الخاطئة عن الملائكة وجعلهم بنات لله، والله منزه عن ذلك، فالكفار يتبعون الظن وما تهواه أنفسهم، ولقد جائهم من ربهم الهدي، والآن هم يجادلون الرسول في الحق بعدما تبين لهم.
وكان العرب قد زعموا أن لهم الذكر الذي يحبونه ويقبلونه، ولله الأنثى التي يرفضون وجودها ولا يرضونها لأنفسهم، وهذه القسمة جائرة وظالمة غير مستوية، وذلك لأنهم جعلوا لربهم ما يكرهون لأنفسهم، واحتفظوا لأنفسهم بما يحبون ويرضون.
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ
ذكر المفسرون روايات في سبب نزول قوله-تبارك وتعالى-: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى، وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى) منها:
أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس إليه ووعظه، فهمّ أن يدخل في الإسلام.
فعاتبه رجل من المشركين، وقال له: أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك، واثبت عليه، وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة، لكن عليك أن تعطيني كذا وكذا من المال.
فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عما هم به من الدخول في الإسلام، وأعطى بعض المال لذلك الرجل، ثم أمسك عن الباقي، وبخل به، فأنزل الله-تبارك وتعالى- هذه الآيات…
والاستفهام في قوله-تبارك وتعالى-: أَفَرَأَيْتَ … للتعجيب من حال هذا الإنسان، الذي أعرض عن الحق، بعد أن عرف الطريق إليه وكاد أن يسير فيه، فهو لم يتبع الهدى الذي جائه في صحف إبراهيم وموسى ولا يغني عنه في الآخرة أحد.
وقال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك : أن تلك الآيات نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح : ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك ألا يبقى لك شيء.
فقال عثمان : إن لي ذنوبا وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه. فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها.
فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى، وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى، فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله؛ وذكر ذلك الواحدي والثعلبي.
وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ
في اقسم الرابع من سورة النجم فيه دلائل قدرة الله تعالي، فهو يبدل حال الإنسان بين الضحك والبكاء، وبين الموت والحياة، وهو من خلق الزوجين الذكر والأنثى من ماء مهين في الرحم، والله يغني ويفقر، وهو رب الشعرى والله سبحانه إن شاء أهلك قوم، كما فعل مع عاد وثمود وقوم نوح وقوم لوط جعل عاليها سافلها، وهو على ما يشاء قدير، ولله المنتهى يوم القيامة.
فكيف تعجبون أيها الناس من هذا الحديث، وتضحكون ولا تبكون، ولاهون عما فيه من العبر، فاسجدوا لله واعبدوا.
سجود المشركين لله مع الرسول
سورة النجم هي أول سورة يتلوها النبي على الكفار جهرة في الحرم،
كما قال ابن مسعود: «هي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة».
حيث فاجأهم النبي بقراءة السورة علانية لأنهم كانوا يعمدون إلى التشويش كلما بدأ النبي بقراءة القرآن، مما منعهم من الإستماع، وكان هؤلاء الكفار أول مرة يسمعون القرآن فلما بدأ الرسول بتلاوتها، قرع آذانهم كلام إلهي خلاب، وكان أروع ما سمعوه قط، وقد نسوا عنادهم وكفرهم، حتى قرأ في خواتيمها قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ فاسجدوا لله واعبدوا فخروا سجدا، وكانت روعة الحق قد صدعت العناد في قلوب المستهزئين والكافرين.
«حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفا من حصى، أو تراب، فرفعه إلى وجهه، وقال: يكفيني هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرا».
وسقط في ايديهم لما أحسوا أن كلام الله عز وجل قد لوى زمامهم، فأخذوا يحاولون محو وإفناء ما حدث، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد، وعندئذ كذبوا وافتروا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه عطف على أصنامهم، وقال عنها ما كانوا يرددونه دائما (تلك الغرانيق العلى • وإن شفاعتهم لترتجي)، وجائوا بهذا الإفك المبين، ليعتذروا عن سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم لله رب العالمين.
لطائف من السورة
- {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (٣٩)وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ(٤٠)}: الإنسان لا ينال إلا نتيجة سعيه وجهده في الدنيا، وعليه سيحاسب في الآخرة جزاء ما عمل من خير أو شر.
- {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ(٣٨)}: أي نفس لا تتحمل ذنب نفس أخرى، وكل إنسان مسئول عن ذنبه يوم القيامة، فلن يحاسب على ذنب ارتكبه رجل آخر، وكذلك يحاسب على أعماله الصالحة وحده.
- {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ(٤٣)}: تعكس الآية القدرة الإلهية على تغيير حال الإنسان بين ضحك وبكاء، وسعادة وشقاء، ولربما في نفس اليوم.