وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون
الهدف من الخلق
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد: فإنه كلما زادت المحن على أمة الإسلام، وزاد ظلم أعدائها من الكفرة والمنافقين، احتاج الإنسان أن يعود إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليراجع الأهداف والنتائج التي يجب أن تكون منه على بال، وأن يعلم الهدف الذي يرغب إليه أهل الإيمان، والذي من أجله يدعون إلى الله سبحانه وتعالى، إن وضوح الهدف بإذن الله إذا كان فعلا مستقى من الكتاب والسنة يبعد عن الإنسان اليأس، ويمنعه من القنوط أو الشعور بالفشل في تحقيق أهدافه ، فكثير من الناس إذا لم يرى بعض أهدافه تتحقق أمامه يغفل عن الهدف الأسمى الذي يريده كل مؤمن، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، وأن يوفق في ذلك، فلابد أن يكون هذا الهدف واضحا وضوح الشمس أمامنا، أما تحقيق نصر في موضع معين، أو زمن معين فهذا فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء.
وهو سبحانه لا يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة، فقد يتأخر النصر، وقد تحدث هزيمة، وقد يقع للمسلمين قتل وأسر وجرحى وآلام كثيرة، ولكنهم إذا فهموا قضيتهم وعلموا هدفهم الحقيقي، وأن النتائج التي تتحقق على أرض الواقع ليس مقياسها حصول التمكين من عدمه، بل حقيقة الأمر كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن الحكمة من وجود البشر بل وجود الإنس والجن فقال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
إذا لابد أن يكون هدفنا هو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى ، وأنت أيها المؤمن لا يمنعك من ذلك أي مانع مهما كان الأمر، وسواء كنت ممكنا على الناس أو كنت مستضعفا في السجون، فأنت لا يمنعك مانع من عبودية الله عز وجل، في فقرك أو غناك، في صحتك أو سقمك، في شبابك أو هرمك، أنت تعبد الله عز وجل على أي حال؛ لأنك علمت الهدف من خلقك ، وكذلك أنت تسعى إلى أن يؤمن الناس حتى ولو قتل جميع أهل الإيمان، ونحن أيضا نسعى إلى أن يؤمن الناس وأن يعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، فهذه غايتنا التي نسعى إليها؛ لأنه أمر يحبه الله وشرع من أجله الدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيله، وأما أن تكون نهاية المطاف في حقنا أو في حق الطائفة التي نحيا وسطها أن يمكن لهذه الطائفة فهذا خطأ.
ولا تتعجب، فإن من الزنادقة والمنافقين والكفرة الملحدين من يجعل أكفر الكفرة أعداء الله ورسله من أكمل الناس إيمانا وتقوى، وأنهم ينبغي أن يقبل منهم كلما يقولون وما يعلنون، لذلك نحتاج إلى أن نتذكر دائما، ونكرر ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تلك القصص الذي تعطينا معنى الثبات، وتوضح لنا عدم قبول الاحتواء الذي يرغبه العدو والذي يريده من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، نريد أن نتذكر حتى لا نضيع في وسط هذا الخضم الهائل من الفتن المتلاطمة، والتي نعلم ونوقن أن المقصود الذي يقصده الأعداء هو أن يهدموا هذه الصورة الحقيقية لدين الله، فهم يجزمون أن القوة المادية التي بأيديهم لا يمكن أن تقف في وجه طائفة قليلة ضعيفة من أهل الحق، وأن النمو الحقيقي الذي فطر الله العباد عليه هو أن الحق ينمو في قلوب الناس إذا وجد، ولا يتصدى الباطل له ، بل ينهار بكل قوته المادية إن ثبت الحق، فالحق صخرة صلبة لا يمكن أن يقف في وجهها تلك الهشاشات الباطلة، لكن بشرط أن يكون ثابتا في القلوب، نقيا ، لا يقبل التوجيه المنكر الباطل، ونحن نعلم أن أهل الباطل لهم وسائلهم المتعددة لكي يفرضوا باطلهم.