
تفسير القرآن الكريم-خواطر الدكتور مصطفي صيام حول سورة البقرة الآيات (6-7)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) سورة البقرة
مُعظم صناديد الكفر في مكة، كونوا ثرواتهم، من توفير الخدمات للحجاج، وسدانة الكعبة وما بجوارها من أصنام، وتضخمت ثرواتهم ،من خلال ما يُقْدم للأصنام من نذور، وأضحيات، وهدايا ،مقابل رضاها ، هؤلاء كذبوا برسالة محمد، وتشبثوا بالكفر والعناد، لانهم يُريدون ان يحتفظوا بسُلطاتهم الدنيوية، ونفوذهم القائم على الظلم والطغيان،فاستحقوا الطرد من رحمة اللهِ ، يقول الحق سبحانه وتعالي : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، أي يا أيها النبي لقد عَلِمْنَا أزلاً أن بعض مُشركي مكة سيموتون علي الكفر، إنهم لم يصروا علي الكفر لأنهم في حاجة الى أن يلفتهم رسول أو نبي الى منهج الله، إنهم اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة، إنهم مُستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ومتميزين عن غيرهم بالباطل، إنهم يقاومون الدين ويحاربون كل مَنْ آمن به، لأنهم يُدركون أن الايمان سيسلبهم سُلطاتهم الدنيوية، ونفوذهم القائم على الظلم والطغيان،هؤلاء المشركون الذين اتخذوا الكفر طريقاً لجاه الدنيا وزخرفها، سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ، لن يؤمنوا برسالتك ، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي لرسولنا الكريم :نحن نعلم أنك تطمع في إيمانهم، فلا تحزن يا أيها النبي ، ولا تذهب نفسُك عليهم حسرات ،وحَسبُك أيها النبي أنك قد بلغتهم رسالتك لإقامة الحجة عليهم يوم القيامة ، سنتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل والضلال ، لقد ختمنا على قلوبهم بحيث لا يدخلها الإيمان، ولا يخرج منها الكفر، وختمنا عَلَى أَسْمَاعِهِمْ ،فأصبحت لا تسمع آيَاتِ اللهِ ووعده ووعيده ، وجعلنا عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ،أفقدتها القدرة علي الرؤية الواضحة الجلية لآيات الله في الكون، وفي قول الحق سبحانه وتعالي : وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إشارة إلي ماينتظرهم من عذاب أليم في نار الجحيم، بعد أن عُذب معظمهم في الدنيا بالقتل في معركة بدر .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)سورة البقرة
تتحدث الآيات الكريمة عن المنافقين الذين نطقوا الشهادتين، ولم تؤمن قلوبهم ، والنفاق لم يكن موجوداً قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، لأن الرسول وأصحابه كانوا مُضطهدين في مكة في بداية ظهور الإسلام ، وبعد أن استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وحدثت معركة بدر، ونصر الله المؤمنين وأعزَّهم ، هرع بعض الذين لم يؤمنوا من أهل المدينة، إلي الرسول صلى الله عليه وسلم ونطقوا الشهادتين، خوفاً ومخادعةً،وفي هذة الآيات الكريمة يفضح اللهُ سبحانه وتعالي المنافقين، ويكشف لنبيه صلى الله عليه وسلم أمرهم وخفايا نفوسهم ،ويبين الحق سبحانه وتعالي الدوافع التى دفعت المنافقين إلى أن يقولوا : آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ، بألسنتهم فقط، وهذة الدوافع هي أنهم يخافون أن يكونوا منبوذين في المدينة المنورة ، ويريدون أن ينالوا الحظوظ من المغانم، ويريدون أن يطلعوا على أسرار المسلمين فينقلوها إلى الكفار ، والمراد بقول الحق سبحانه وتعالي: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، إنكار ما ادعوه ونفيه على أبلغ وجه ، وإخراج ذواتهم من أن تكون طائفة من المؤمنين، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا، لأنهم يظنون أن الله غير مُطلع علي قلوبهم، وليس غريباً عليهم أن يكون ظنهم هكذا ، فمن كان إدعاؤه الإيمان بالله نفاقاً، لم يكن عارفاً بالله ولا بصفاته، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، أي أنهم لم يجنوا من نفاقهم إلا الفضيحة في الدنيا ،عندما أطلع الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم، ومعظم المنافقين انكشف حالهم عندما نزل فيهم القرآن، فلم يبق منهم أحد مجهولاً ،ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي في قلوبهم شك وفساد وجُبْن وحسد وحقد ، فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا، أي زادهم الله غماً على غمهم، كلما علا شأن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً بعد يوم، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، أي ينتظرهم العذاب الأليم ، في الدرك الأسفل من النار في الآخرة بما كانوا يكذبون على الله وعلى رسوله.