وداعا رمضان شهر العتق و الغفران

وداعا رمضان شهر العتق و الغفران

0 المراجعات

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، ووفق من شاء من عباده للطاعات والأعمال الصالحات وكان سعيهم مشكورا، وخذل من أعرض عن ذكره واتبع هواه فكان مأواه جهنم وساءت مصيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منیرا، صلى الله عليه وعلى آله وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.

إن الشهور والليالي والأعوام مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال تنقضي حثيثة وتمضي جميعا، والموت يطوف بالليل والنهار، لا يؤخر من حضرت ساعته وفرغت أيامه . والأيام خزائن حافظة لأعمالكم تدعون بها يوم القيامة، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، ينادي ربكم :

يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (رواه مسلم).

لقد رحل شهر نا بأعمالنا وختم فيه على أفعالنا وأقوالنا، فمن كان مسيئا فليبادر بالتوبة والحسنی قبل غلق الباب وطي الكتاب ، ومن كان في شهره إلى ربه منيبا وفي عمله مصيبا فليحكم البناء ويشكر المنعم على النعماء، ولا يكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وما أجمل الطاعة تعقبها الطاعات وما أبهى الحسنة تجمع إليها الحسنات ، وأكرم بأعمال البر في ترادف الحلقات ، إنها الباقيات الصالحات التي ندب الله إليها ورغب فيها، وكونوا بقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل فالله لا يتقبل إلا من المتقين، وما أقبح فعل السيئة بعد الحسنة، ولئن كانت الحسنات يذهبن السيئات، فإن السيئات قد يحبطن الأعمال الصالحات .

کنتم في شهر البر والخير تصومون نهاره وتقومون ليله ، وتتقربون إلى ربكم بأنواع القربات طمعا في الثواب ، وخشية من العقاب ، وقد أوشكت تلك الأيام على الرحيل وكأنها ضرب خیال ، لقد قطعت بنا مرحلة من حياتنا لن تعود، هذا هو شهرکم فهذه هي نهايته ، كم من مستقبل له لم يستكمله؟! وكم من مؤمل أن يعود إليه لم يدركه؟! وهكذا أيام العمر مراحل نقطعها يوما بعد يوم في طريقنا إلى الدار الآخرة.

إن استدامة أمر الطاعة وامتداد زمانها زاد الصالحين، وتحقيق أمل المحسنين، وليس للطاعة زمن محدود، ولا للعبادة أجل معدود؛ بل هي حق الله على العباد يعمرون بها الأكوان على مر الأزمان، وشهر رمضان میدان لتنافس الصالحين، وتسابق المحسنين، يسمون بأرواحهم إلى الفضائل ويمنعون عنها الرذائل، ويجب أن تسير النفوس على نهج الهدی والرشاد بعد رمضان، فعبادة رب العالمين ليست مقصورة على رمضان ، وليس للعبد منتهى من العبادة دون الموت، وبئس القوم يعبدون الزمان لا يعرفون الله إلا في رمضان .

إن للقبول والربح في هذا الشهر علامات، وللخسارة والرد أمارات ، وإن من علامة قبول الحسنة : فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة : السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وأكثروا من الحسنات بعد السيئات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} [هود: الآية ۱۱۲]، ويقول النبي : «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (رواه الترمذي). ومن عزم على العود إلى التفريط والتقصير بعد رمضان فالله حي لا يفنيه تداول الأزمان وتعاقب الأهلة ، وهو يرضى عمن أطاعه في أي شهر كان، ويغضب على من عصاه في كل وقت وآن، ومدار السعادة في طول العمر وحسن العمل، ومداومة المسلم على الطاعة من غير قصر على زمن معين، أو شهر مخصوص، أو مكان فاضل، ومن أعظم البراهين على القبول وحسن الاستقامة.

إن انقضى موسم رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعا في غيره من الشهور، فقد سن رسول الله : صيام يوم الاثنين والخميس وقال : «إن الأعمال تعرض فيها على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» (رواه النسائي والترمذي)، وأوصى نبينا محمد أبا هريرة عنه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وقال : «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» (متفق عليه). وأتبعوا صيام رمضان بصيام ست من شوال يقول المصطفی : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» (رواه مسلم). 

ولئن انقضی قیام رمضان فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة ، وقد ثبت عن النبي  أنه قال : (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» (متفق عليه).

وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، والمغبون من انصرف عن طاعة الله ، والمحروم من حرم رحمة الله .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبه ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: الآية ۹۷] 


 



 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

7

متابعين

1

متابعهم

1

مقالات مشابة