سبب نزول سورة الحجرات
سبب نزول سورة الحجرات
سبب نزول سورة الحجرات
تتعدّدت أسباب النزول في سورة الحجرات حسب مناسبة الآيات ، وهي على النحو الآتي :
قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ، وسبب نزول هذه الآية ، اختلاف الصحابيان الجليلان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- فارتفعت أصواتهما أمام النّبي- عليه الصّلاة والسّلام-.
وجاء في الحديث الذي يرويه عبد الله بن الزبير( أنّه قدم ركب من بني تميم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر ما أردت إلّا خلافي ، وقال عمر ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت فيهم هذه الآية).
قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) ، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصوت ، وكان إذا كلّم إنساناً جهر بصوته ، فربّما كان يُكلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فيتأذّى بصوته.
قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ) ، نزلت هذه الآية بعد الآية التي سبقتها ؛ لأنّ أبا بكر بعد نزول قول الله( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ.) ؛ قال" آليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله إلا كأخي السِّرار".
قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) ، نزلت في جفاة بني تميم ، إذ قدم وفد منهم على النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخلوا المسجد ، فنادوا النّبي الكريم من وراء حجرته" أن اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين" ، فتأذّى النبي- صلى الله عليه وسلم- من صِياحهم فخرج إليهم.
قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) ، نزلت الآية في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، إذ بعثه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بني المصطلق مصدقًا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلمّا سمع القوم به تلقوه تعظيمًا لله تعالى ولرسوله ، فحدثه الشيطان أنّهم يريدون قتله فهابهم.
ورجع من الطريق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال إنّ بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقالوا" سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقّاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى.
وبدا له في الرجوع ، فخشينا أن يكون سبب ردّه من الطريق ، كتاب جاءه منك بغضبٍ غضبته علينا ، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، فأنزل الله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، يعني الوليد بن عقبة.
قوله تعالى( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) ،نزلت الآية في طائفتين من الأوس والخزرج ، اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه.
التعريف بسورة الحجرات
هي سورة مدنية نزلت بعد الهجرة النبوية في السنة التاسعة للهجرة ، عدد آياتها ثماني عشرة آية ، تقع في الجزء السادس والعشرين ، ترتيبها في القرآن الكريم التاسعة والأربعون ، وكان نزولها بعد سورة المجادلة ، وسُمّيت بالحجرات ؛ لأنّه ذكر فيها لفظ الحجرات وهي حجرات نسائه- صلى الله عليه وسلم-.
حيث نزلت في قومٍ من العربِ الجُفاة الذين كانوا ينادون النّبي- صلى الله عليه وسلم- من وراء حُجرات نسائه حتّى يخرج إليهم ، فكان ذلك يُؤذيه- صلى الله عليه وسلم- فنزلت السورة الكريمة لتأديبهم وتعليمهم أنّ للبيوت حُرمة يجب مراعاتها.
احتوت سورة الحجرات على الآداب العامة ، والمواعظ والهدايات التي من شأنها نفع المؤمنين في دينهم ودُنياهم ، فقد بدأت بالنّداء الأول للمؤمنين ؛ لتعلمهم مكارم الأخلاق ، ومراعاة الآداب وما يجب عليهم نحو ربّهم جل وعلا ونحو نبيهم- صلى الله عليه وسلم-.
ثم وجهت للمؤمنين نداءً ثانيًا ؛ لتعلّمهم آداب الحديث بشكلٍ عام ، ومع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشكلٍ خاص ، حيث يجب عليهم أن يستمعوا جيدًا للنّبي- صلى الله عليه وسلم- إذا تحدّث ولا يُقاطعوه ولا ترتفع أصواتهم على صوته إذا جلسوا معه. وتناولت السورة عدداً من المواضيع الهامة مثل ضرورة مراعاة أوامر الله- جل وعلا- واجتناب نواهيه ، والتحاشي عن المنّة على الله تعالى بالطاعة ، ووجوب التأدّب في الكلام مع الأكابر وعدم التهور ، واحسان الظن بالناس ، وعدم الغيبة والنميمة ، وعدم مناداة النّاس بالألقاب التي يكرهونها ، وترك المُفاخرة بالأحسابِ والأنسابِ ، وبيّنت أنّ التقوى هي أساس التفاضل بين الناس.
موضوعات سورة الحجرات
ورد في سورة الحجرات الكلام عن الموضوعات أخلاقيّة ، منها ما يأتي :
الآداب العامة ومكارم الأخلاق والتهذيب والتأديب.
النهي عن نوازع السُخرية والاستهزاء بالآخرين.
الحثّ على إزالة أسباب الخصام والبغضاء ، والحرص على تأليف القلوب ؛ من خلال الحثّ على حسن الظن بالناس وإشاعة المحبة والمودة بينهم.
النهي عن تتبّع العورات المستورة ، وعن الغيبة واللمز والتنابز بالألقاب.
تقرير منهج شامل لتربية الفردِ وتهذيب الجماعة ، حيث قدمت أنموذجًا ناجحًا للمسلم الصالح الذي يحترم دينه ويؤدي شعائره.
مراعاة أوامر الله- جل وعلا- ، واجتناب نواهيه ، والتحاشي عن المنّة على الله تعالى بالطاعة ، وإحالة علم الغيب إلى الله تعالى.
تعليم المسلمين ما يجب عليهم من الأدب مع النّبي- صلى الله عليه وسلم- في معاملته وخطابه وندائه.
تقرير أنّ الناس جميعًا خُلقوا من أصلٍ واحدٍ ، ثم تفرّعت بهم الشعوب والقبائل ، والعلاقة بين الناس أساسها التعارف على الخير ، وأكرم الناس عند الله تعالى أكثرهم تقوى ، وطاعة لأمره والتزامًا بهدي نبيه- صلى الله عليه وسلم-
التثبت في نقل الخبر مطلقاً ، وعدم تصديق أخبار الفاسقين وإشاعات المُغرضين.
خفض الصوت عند التحدث مع رسول- صلى الله عليه وسلم- ؛ تعظيماً له واحتراماً لمقامه الرفيع ، فهو ليس كعامةِ الناس ، فيجب التأدّب معه في الخطاب ، فله منّا التوقير والتعظيم والتبجيل.