![قصة عمار بن ياسر.](https://amwcdn.com/featured/404967/conversions/e38761c8d6-full-webp.webp)
قصة عمار بن ياسر.
النجاة من الفتنة
تحتوي السيرة الإسلامية على قصص تحمل العديد من القيم والمبادئ و العبر والدروس المستفادة، إذ تسلط الضوء على القيم الرفيعة والسامية كالصبر، والإيمان، والعدل، والتضحية. ومن بين هذه القصص الجميلة ، قصة الصحابي الجليل "عمار بن ياسر" الذي شهد أصعب الفتن لكنه صمد على دينه حتى النهاية. تحمل هذه القصة رسالة عميقة عن الثبات على الحق، وتبيّن كيف أن الإيمان الراسخ قادر على النجاة من أصعب الشدائد والمحن.
![image about قصة عمار بن ياسر.](https://amwcdn.com/content/404965/conversions/18ab1699d3-attachments-webp.webp)
بداية المحنة
كان عمار بن ياسر من أوائل المسلمين الذين دخلوا في الإسلام وصدقوا به حين كان النبي محمد ﷺ يدعو سرًا لدخول الاسلام والايمان بالله تعالى وحده في مكة. أسلم مع والديه ياسر وسمية، فكانوا من الفئة المستضعفة التي تعرضت لأشد أنواع التعذيب على يد قريش. لم يكن لهم ظهر يحميهم الا الله سبحانه وتعالى، ولم يكن لديهم نفوذ يقيهم بطش وشدة سادة مكة، فصب عليهم المشركون العذاب ليجبرونهم على العودة إلى عبادة الأصنام وترك الاسلام.
كانت قريش تسعى بكل وسيلة لترهيب هؤلاء المؤمنين الجدد، خاصة الذين لم يكن لهم قبائل تدافع عنهم. فقاموا بتعذيب عمار ووالديه أمام الناس، ضربوهم بالسياط، وعرضوهم لأشد أنواع العذاب تحت حرارة الشمس المحرقة، إلا أنهم ظلوا صامدين. وحين اشتد العذاب على والدته سمية، طعنها أبو جهل بحربته، فاستشهدت، فكانت أول شهيدة في الإسلام، ثم قتل والده ياسر.
فتنة العذاب والثبات على الإيمان
بعد استشهاد والديه، تعرض عمار للتعذيب الشديد حتى وصل به الأمر إلى أن نطق بكلمة الكفر مكرهًا، فذهب إلى النبي ﷺ وهو يبكي، فطمأنه النبي قائلاً: "كيف تجد قلبك؟" قال: "مطمئن بالإيمان"، فرد عليه النبي: "إن عادوا فعد".
نزلت في عمار الآية الكريمة: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106]، لتكون تشريعًا واضحًا أن الإيمان بالقلب هو الأساس، وأن من أُجبر على النطق بالكفر وقلبه موقن بالإسلام فلا إثم عليه.
موقفه في الفتن الكبرى
ظل عمار مؤمنًا بالله صادقًا، وشارك في جميع الغزوات مع النبي ﷺ، وبعد وفاته، كان عمار من الموالين للخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته. عندما وقعت الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية، حاول عمار جاهدًا توحيد صفوف المسلمين لكنه رأى أن الحق مع علي.
تذكر المسلمون حديث النبي ﷺ عن عمار حين قال: "تقتلك الفئة الباغية"، وهو حديث أثار تساؤلات كثيرة بين المسلمين في ذلك الوقت. وفعلاً استشهد عمار في معركة صفين وهو يقاتل في صفوف جيش علي، فكان موته صدمة لكثيرين، وأصبح مثالًا حيًا للثبات على المبدأ.
العبرة من القصة
تقدم قصة عمار بن ياسر دروسًا عظيمة في الصبر والثبات على الحق، ومنها:
- الصبر على البلاء والمصائب: رغم التعذيب الشديد، لم يتخل عمار عن إيمانه، مما يعكس قوة العقيدة في قلبه.
- سماحة الإسلام و نزاهته: تظهر القصة كيف أن الإسلام دين يسر وليس عسرًا، حيث عذر الله من نطق بالكفر تحت الإكراه.
- التمسك بالمبادئ الاسلامية : لم يكن عمار ممن يغيرون مواقفهم تبعًا للمصالح، بل وقف مع الحق حتى آخر لحظة.
- البشارة بالجنة: عمار من المبشرين بالجنة، وهذا يدل على عظمة مكانته في الإسلام وعلو شانه في المجتمع الاسلامي.
دروس مستفادة من حياة عمار بن ياسر
- الإيمان الحقيقي يظهر عند المحن: لم يكن إيمان عمار مجرد كلمات، بل ظهر في أصعب المواقف.
- القدوة في الثبات على المبدئ: يجب على المسلمين أن يتخذوا من عمار مثالًا يحتذى به في الصبر والمقاومة.
- العدل في النزاعات: الفتن قد تفرق الأمة، لكن الحق يظل واضحًا لمن يبحث عنه بصدق.
- أهمية القيادة الصالحة: اختيار القائد الحق أمر جوهري في الحفاظ على وحدة الأمة.
- التسامح رغم الشدائد: رغم تعرضه للظلم، لم يكن عمار ناقمًا بل ظل داعيًا للحق.
- الوعي بأهمية الاخلاص للحق: لم يتبع عمار العواطف والاحاسيس والحدس بل نظر إلى الموقف بعين الحق والعدل.
تأثير القصة على المسلمين اليوم
ما زالت قصة عمار بن ياسر تُلهم المسلمين في العصر الحديث، حيث تبرز أهمية الثبات على المبدأ وعدم الانحراف عن طريق الحق مهما كانت المغريات. كما أنها تذكّر بأهمية التمسك بالقيم الإسلامية في مواجهة التحديات والفتن.
إن العالم اليوم مليء بالصراعات والضغوط، لكن قصة عمار تؤكد أن الإيمان القوي قادر على اجتياز المحن، وأن النصر في النهاية لأهل الحق والصبر.
تظل قصة عمار بن ياسر درسًا خالدًا في الإيمان والصبر، وهي رسالة لكل مسلم أن التمسك بالدين والحق ليس بالأمر السهل، لكنه السبيل إلى الفوز في الدنيا والآخرة. فرغم كل ما واجهه، رحل عمار شامخًا، متوجًا بوسام الشهادة، ومضربًا للمثل في الصبر والثبات.
علينا جميعًا أن نتعلم من هذه القصة وأن نستلهم منها قيم الصبر، والثبات، والسعي وراء الحقيقة، لتكون حياتنا مليئة بالإيمان والعمل الصالح.
إضافة لمحة عن تكريم عمار بن ياسر في الإسلام
لم يكن عمار مجرد صحابي عادي، بل نال تكريمًا خاصًا من النبي ﷺ ومن الصحابة. فقد وصفه النبي ﷺ بأنه "ملئ إيمانًا إلى مشاشه"، أي أن الإيمان تخلل كيانه كله. كما كان من أحب الناس إلى الصحابة، حيث رثاه علي بن أبي طالب قائلًا: "رحم الله عمارًا يوم أسلم، ورحم الله عمارًا يوم قتل، ورحم الله عمارًا يوم يبعث حيًا".
ظل اسم عمار محفورًا في ذاكرة الأمة، رمزًا للشجاعة واليقين، ومنارة لمن يبحث عن طريق الثبات وسط الفتن.