الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم
بحث عن السُّنة النبوية
وأما تعريف السُّنة في اللُّغة :-
بالطريق المسلوك، سواءً كان حسّياً أو معنوياً، ونقل محمد الأشقر في كتابه عن شمر أنّ السّنّة هي طريقٌ سَنَّه أوائل الناس، ثُمّ أصبح مسلكاً لمن بعدهم، وتُطلق على الطريقة؛ سواءً كانت حميدة أو ذميمة،[١] وجمعُها سُنن، ومنهُا قول النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ)،[٢][٣]
وأمّا تعريُفها في الاصطلاح الشّرعي :-
فقد جاءَ في تعريفها عدّة معانٍ بحسب نظر العُلماء لها، وفيما يأتي بيانها:[٤][٥]
السُّنة في تعريف المُحدّثين:-
هي كُلُّ ما أُضيف إلى النّبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو صفةٍ؛ سواء كانت هذه الصّفة خَلقيّة أو خُلُقية، وكذلك ما يتعلّق بالرّسالة من أحواله الشّريفةصلى الله عليه وسلم قبل البعثة. السُّنة في تعريف الأُصولييّن: كُلّ ما صَدَر عن النّبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال من غير القُرآن الكريم.
السُّنة عند الفُقهاء:-
هي كل نافلة أو مندوب، وكُلّ ما يُتقرّب به إلى الله -تعالى- من غير الفرائض، وهي جُزءٌ من الأحكام الخمسة عندهم.[٦] والسُّنة تُطلقُ أيضاً على ما يُقابل البدعة، فيدخُل بهذا كل الشريعة من قرآن كريم، وحديث ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واجتهاد صحيح، فيُقال: أهلُ السُّنة؛ لتمييزهم عن أهل البدع، سواءً كان ذلك في الأعمال أو في الاعتقاد، ومنه قول النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قابل فيه السُّنة بالبدعة فقال: (فعليكُمْ بِسُنَّتِي وسنَّةِ الخُلفاءِ المهديِّينَ الرَّاشِدينَ، تَمسَّكُوا بِها، وعَضُّوا عليْها بالنَّواجِذِ، وإيّاكُمْ ومُحدثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالَةٌ)،[٧] حيثُ إنّ السّنة كانت تُطلق على الصّدر الأول على طريقة الخُلفاء الراشدين، وعلى طريقة النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-.[٤][٥] وتعدّدت أقوال العُلماء في تعريفهم للسُّنة بحسب العلم المُتّصل بها، فعُلماء الحديث ينظرون إلى السنّة بالمجمل سواء أَثْبتت أحكاما أم لم تثبت، وأمّا عُلماء الأُصول فينظرون إلى السنّة من حيث المُشرّع؛ وهو النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وما وضعهُ من قواعد للمُجتهدين من بعده، فاعتنوا بالأقوال والأفعال والتّقريرات التي تُثبت الأحكام وتُقرّرُها، وأمّا الفُقهاء فنظروا إليها من حيث الأحكام الشرعيّة فقط.[٨]
حجيّة السنّة النبوية:-
تُعدُ السُّنة النبوية أحد أُصول الشّريعة التي تدُلّ على الأحكام الشرعية، فقد قال الشوكانيّ: "إنّ ثبوت حجيّتها واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلّا من لا حظّ له في دين الإسلام"، وأمّا ما يدّعيه البعض من الأخذ بالقُرآن الكريم فقط من غير الحاجة إلى السُّنة النبوية؛ فهو مُخالفٌ لما كان عليه النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، وقد تصدّى لهم الأئمة الأربعة، وكذلك لا يجوز العمل بالسُّنة النبوية فقط دون النّظر إلى القُرآن الكريم، والأصلُ في ذلك أنّهما مُكمّلان لبعضهما البعض.[٩] وقد اتّفق عُلماء الأُمّة على ثُبوت حُجّيّة السُنة النبوية، كما واعتبروها مصدر من مصادر الأحكام الشرعية، وقد ثبت ذلك بالأدلة في القُرآن الكريم، وإجماع الصحابة الكِرام، والمعقول، سواء كان ذلك على سبيل البيان أو على سبيل الاستقلال، ومن هذه الأدلة ما يأتي:[١٠][١١] الأدلة من القُرآن الكريم: ومنها ما يأتي: قول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[١٢] قول الله -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).[١٣] قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)؛[١٤] فالرَّد إلى الله -تعالى- هو الرّد إلى كتابه الكريم، والرّدُ إلى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الرجوع إلى سُنّته المطهّرة.
الأدلة من إجماع الصحابة:-
حيثُ إنّهم لم يُفرّقوا بين الأحكام الثابتةِ في القُرآن الكريم أو الأحكام الثابتةِ بالسُّنة النبوية، فقد أعطى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الجدّة السُّدس من الميراث بعد سماعه أنّ النبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- أعطاها السُّدس، مع أن ميراثها لم يرد في القُرآن الكريم، فإنّ الحُكم الثابت في السُّنة النبوية ثابتٌ في القُرآن الكريم من ناحية أنّ القرآن الكريم هو الذي أرشدنا إلى اتّباع السُّنة من خلال الآيات الكريمة الواردة فيه. الأدلة من المعقول وإجماع الأُمّة: إنّ اعتبار الحُكم الثّابت بالسُّنة النبوية كالحُكم الثّابت في القُرآن الكريم من المعلوم عند جميع المُجتهدين من سلف الأُمّة، فقد انعقد إجماع الأُمّة على حُجّيّة السُّنة واستقلالها بالتّشريع.[١٥]