سُمية بنت خُبّاط: أول شهيدة في الإسلام وأيقونة الصبر

سُمية بنت خُبّاط: أول شهيدة في الإسلام وأيقونة الصبر

1 reviews

 سُمية بنت خُبّاط: أول شهيدة في الإسلام وأيقونة الصبر

في بداية الدعوة الإسلامية في مكة، لم يكن الإسلام يُمثّل قوة سياسية، ولا مجتمعًا منظمًا، بل كان فكرة عظيمة يؤمن بها القليل، في وجه مجتمع قبلي متجذر في الوثنية والجاهلية. ورغم قلة العدد، كان الثبات على العقيدة أقوى من السيوف، وأشد من العشائر. ومن أعظم من سطّر هذا الثبات بدمها وجسدها، كانت امرأة، ضعيفة في جسدها، عظيمة في إيمانها، اسمها سُميّة بنت خُبّاط، رضي الله عنها، وأرضاها.

من هي سُمية بنت خُباط؟

هي سُمية بنت خُباط، من أوائل من آمن بالنبي محمد ﷺ، وزوجها ياسر بن عامر، وولدهما هو عمار بن ياسر، أحد كبار الصحابة. كانت سُمية أَمَةً عند بني مخزوم، ولم تكن من الأشراف، ولا من ذوي الحماية أو النفوذ، ولكنّها كانت صاحبة قلب مملوء باليقين.

أسلمت سُمية مع أوائل المسلمين في دار الأرقم، وسمعت كلام النبي ﷺ عن التوحيد، وفتنتها فكرة أن الله واحد لا شريك له، وأنه لا أحد يستحق العبادة سوى الله. لم تكن تملك مالًا، ولا قوة، ولكنها كانت تملك ما هو أعظم: الإيمان الخالص.

بداية المحنة:

لم يكن المشركون في مكة يتهاونون مع من دخل الإسلام من الضعفاء. وكان آل ياسر من أوائل من تعرّضوا للاضطهاد الوحشي. كانت قريش تأخذهم إلى الصحراء القاحلة، وتربطهم بالحبال تحت الشمس اللاهبة، وتضع الحجارة على صدورهم، وتجلدهم بالسياط، وتطلب منهم أن يسبّوا النبي ﷺ، ويعودوا إلى عبادة الأصنام.

لكن المفاجأة أن هذه الأسرة الصغيرة لم تضعف، بل واجهت العذاب بالصبر والثبات. يقول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

أول من أظهر الإسلام سبعة، رسول الله ﷺ، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وسُمية، فأما رسول الله وأبو بكر فحماهما الله بعشيرتهما، وأما الآخرون فألبسهم المشركون أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس"
(رواه ابن سعد في الطبقات)

 

الثبات حتى الموت:

لم يكن هناك من يدافع عن سُمية، ولا من يمنع عنها أذى أبي جهل، زعيم بني مخزوم، الذي كان شديد الحقد عليها، لأنه يرى امرأة ضعيفة لا تملك شيئًا، ومع ذلك تصبر على العذاب، وتصرّ على التوحيد.

ذات يوم، جاء أبو جهل، وانهال عليها سبًا وضربًا، ثم طعنها بحربة في موضع عفتها، فسقطت على الأرض شهيدة، وهي تقول: "لا إله إلا الله"، لتكون أول امرأة في الإسلام تموت في سبيل الله.

بشرى النبي ﷺ

عندما رأى النبي ﷺ ما يُفعل بآل ياسر، كان يمرّ بهم وهم يُعذّبون، فيقول كلمات خالدة صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة"
(رواه الطبراني وصححه الألباني)

 

كلمات تُعطي معنى عميقًا لصبر المؤمن: أن البلاء مهما اشتدّ، فله نهاية، وهي الجنّة. وهكذا أصبح آل ياسر من أوائل شهداء الإسلام، وسُميّة أصبحت أول شهيدة، وأوّل امرأة يُبشّرها النبي بالجنّة، قبل أن تُدفن.

دروس وعِبر من قصة سُمية:

1. الإيمان لا يُقاس بالقوة المادية: سُمية لم تكن من الأثرياء، ولا من أصحاب الجاه، لكنها دخلت التاريخ الإسلامي من أوسع أبوابه، لأنها آمنت وصدّقت وصبرت.


2. المرأة المسلمة قادرة على الثبات في المحن: الإسلام كرّم المرأة، ورفع شأنها، وجعلها قدوة في الإيمان والصبر، وسُمية أكبر دليل على أن المرأة يمكن أن تكون رمزًا للعقيدة.


3. الابتلاء جزء من طريق الحق: المسلم في كل زمان ومكان قد يواجه مضايقات، أو استهزاءً، أو أذى، لكن ما يعينه على ذلك هو تذكّر من سبقونا، وثبتوا، ونالوا الجنة بثباتهم.


4. الصبر طريق الجنة: قال الله تعالى:

 

 ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
(السجدة: 24)

 

فالقيادة الحقيقية ليست بالقوة، بل بالصبر والإيمان واليقين.

خاتمة:

قصة سُمية بنت خُباط رضي الله عنها ليست مجرد سطر في كتب السيرة، بل هي منارة تهدي القلوب، ورسالة خالدة لكل من يحمل الإسلام في قلبه. فقد كانت امرأة أميّة، لا تعرف الكتابة، ولا تحمل سلاحًا، لكنها هزمت ببطولتها سيف أبي جهل، وصارت قدوة للأجيال.

ولذلك، حين نواجه نحن اليوم صعوبات أو محنًا في الحياة أو في الدين، فلنتذكر سُمية، ولنعلم أن الصبر والإيمان هما أعظم سلاحين للمؤمن، وأن الله لا يُضيع أجر الصابرين.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

0

followings

1

similar articles