
السيرة النبوية: الميلاد والنشأة قبل البعثة
الميلاد والنشأة قبل البعثة
1: ميلاد النبي في عام الفيل
وُلد النبي محمد ﷺ في عام الفيل، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة، فأرسل الله تعالى طيراً أبابيل أهلكت جيشه. كان ميلاده في مكة المكرمة، المدينة التي ستصبح لاحقاً مركز الرسالة الخاتمة. وُلِد يتيم الأب، إذ توفي عبد الله بن عبد المطلب قبل ولادته، فكان في رعاية أمه آمنة بنت وهب.
2: طفولة يتيم تفيض بالرحمة الإلهية
عاش محمد ﷺ أول سنوات حياته في كنف والدته، ثم انتقل حسب عادة العرب إلى البادية ليتربى في بيئة صحية نقية، حيث أرضعته حليمة السعدية وشهدت بيتها بركات عظيمة منذ قدومه. وعندما بلغ السادسة من عمره، فقد أمه أثناء عودتهما من زيارة قبر أبيه في المدينة، فأصبح يتيم الأبوين. تولى جده عبد المطلب رعايته، وكان يخصه بعطف مميز، لكن القدر شاء أن يفقد جده أيضاً وهو في الثامنة، فانتقل إلى رعاية عمه أبي طالب الذي كان قليل المال لكنه كريم الخُلق.
3: سنوات الرعي والتجارة وبزوغ لقب “الصادق الأمين”
في صباه، عمل محمد ﷺ برعي الغنم، وهو عمل علّمه الصبر والتواضع، ثم اتجه إلى التجارة. شارك في رحلات تجارية إلى الشام واليمن، واشتهر بالصدق والأمانة حتى لُقّب بـ"الصادق الأمين". كان هذا اللقب رأس ماله الحقيقي في مجتمع مكيّ يقوم على الثقة في التعاملات.
4: زواج مبارك من السيدة خديجة رضي الله عنها
وعندما بلغ الخامسة والعشرين، عرضت عليه السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي من سيدات قريش المشهورات بالثراء والحكمة، أن يتاجر بأموالها في رحلة إلى الشام. عاد محمد ﷺ من هذه الرحلة بأرباح كبيرة وأمانة تامة، فنالت أخلاقه إعجابها، فتزوجته وكان زواجاً مباركاً دام خمسةً وعشرين عاماً، أنجبا خلاله أولادهما باستثناء إبراهيم الذي وُلد لاحقاً من مارية القبطية.
5: غار حراء… عُزلة التأمل والاستعداد للرسالة
عرف عن النبي ﷺ ميله إلى العزلة والتأمل، فكان يخرج إلى غار حراء في جبل النور بمكة أياماً متتابعة، يتفكر في خلق الله بعيداً عن ضجيج الحياة الجاهلية. وقد اشتهر في تلك الفترة بمشاركته في المواقف النبيلة، مثل حلف الفضول، الذي اجتمع فيه شرفاء مكة لنصرة المظلومين وإعادة الحقوق إلى أصحابها، دون تفرقة بين القبائل أو الديانات، وهو ما عكس عدالته الفطرية قبل النبوة.
6: محمد ﷺ… الطهارة وسط ظلمات الجاهلية
كانت مكة آنذاك تغرق في الجاهلية من عبادة الأصنام ووأد البنات وقطع الأرحام، ومع ذلك عاش محمد ﷺ طاهراً عفيفاً، لم يشارك قومه في طقوسهم الباطلة، مما جعله مختلفاً عن أقرانه. هذا النقاء الداخلي، إلى جانب صفاته القيادية وأمانته، كان إعداداً إلهياً له لحمل أعظم رسالة عرفتها البشرية.
وهكذا، مهدت هذه السنوات الأولى الطريق لمرحلة البعثة، التي ستغير مجرى التاريخ، وتحوّل محمد بن عبد الله ﷺ من يتيم نشأ في مكة إلى نبي أُمّي يهدي العالم بنور الإسلام.