الصادق الأمين محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم
الصادق الأمين
ميلاد ونشأة
وُلد النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في مكة المكرمة في عام الفيل (حوالي 570 أو 571م). وُلِد يتيم الأب، حيث توفي والده عبد الله قبل مولده. وتتابعت عليه الأحزان في طفولته؛ ففقد أمه آمنة بنت وهب وهو في سن السادسة.
تولى كفالته جده عبد المطلب، ثم بعد وفاته، كفله عمه أبو طالب. في فترة شبابه، عمل بالرعي ثم بالتجارة، واشتهر بين قومه بأخلاقه الرفيعة، وصدقه، وأمانته، حتى لقبوه بـ "الصادق الأمين". كانت هذه الأخلاق الكريمة الأساس الذي بنى عليه الله رسالته، حيث شهدت له زوجته الأولى خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- حين نزل عليه الوحي: "والله لا يُخزيك الله أبداً؛ إنك لَتَصِلُ الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق".
البعثة وبدء الرسالة
عندما بلغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره، كان يحب الخلوة والتفكر، فكان يذهب إلى غار حراء بالقرب من مكة. وفي إحدى خلواته، نزل عليه جبريل عليه السلام بأول آيات القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، فكانت بداية الرسالة والنبوة.
بدأ النبي دعوته سراً لمدة ثلاث سنوات، ثم أمره الله بالجهر بها، فواجه أشد أنواع الأذى والاضطهاد هو ومن آمن معه من قريش. وعلى الرغم من كل المعاناة، ظل صامداً ثابتاً على الحق، يدعو إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة الأوثان، ونشر قيم العدل والمساواة والرحمة في مجتمع تسوده الجاهلية.
الهجرة وتأسيس الدولة
بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة في مكة، واشتداد الأذى والتآمر على قتله، أذن الله له بالهجرة. فهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، التي سُميت فيما بعد المدينة المنورة، وكان عمره حينها ثلاثة وخمسين عاماً (عام 622م).
في المدينة، تحولت الدعوة إلى دولة. أسس النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعاً إسلامياً متكاملاً، قام على أسس راسخة:
- بناء المسجد النبوي: ليكون مركزاً للعبادة والحكم والتعليم.
- المؤاخاة: آخى بين المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة، وبين الأنصار من أهل المدينة، فكانوا نموذجاً فريداً للتكافل الاجتماعي.
إرساء دولة العدل: وضع النبي صلى الله عليه وسلم الدستور الأول للدولة، وهو الصحيفة (وثيقة المدينة)، التي نظمت العلاقات بين جميع مكونات المجتمع، المسلمين وغير المسلمين، على أساس العدل وحرية الاعتقاد. الجهادوالانتصارحتي الوفاة
عاش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عشر سنوات. في هذه الفترة، قاد الأمة في مراحل بناء وصراع، خاض خلالها الغزوات والمعارك دفاعاً عن الدعوة وحماية للمسلمين، مثل بدر وأحد والخندق.
توّجت جهوده بـ فتح مكة في العام الثامن للهجرة، حيث دخلها منتصراً متواضعاً، وعفا عن أهلها وقال مقولته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وبذلك، توحدت جزيرة العرب تحت راية الإسلام.
أكمل النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ الرسالة وأداء الأمانة، وفي العام العاشر للهجرة أدى حجة الوداع، التي ألقى فيها خطبة جامعة تضمنت خلاصة التشريع وقواعد الدين.
في العام الحادي عشر للهجرة، اشتد به المرض، وتوفي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وعمره ثلاثة وستون عاماً، تاركاً وراءه كتاب الله وسنته، كمنهاج حياة للبشرية جمعاء.
الخاتمة
القدوة الخالدة
لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم مجرد نبي، بل كان القائد السياسي، والمعلم التربوي، والزوج الرحيم، والأب العطوف. لقد جسدت سيرته كل معاني الكمال البشري، فكان نموذجاً فريداً يحتذى به في كل زمان ومكان، كما وصفه الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
