حقيقة يوم 12 ربيع الأول ؛ يوم مولد النبي أم ذكري وفاته – صلي الله عليه وسلم ؟!
احتفلت السماء والأرض بمولد سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حامل آخر رسالة سماوية من ” رسائل الإسلام ” ، كان أولها علي يد سيدنا آدم – عليه السلام – أول الخلق ، تبعه سادتنا نوح وإدريس وإبراهيم وغيرهم، عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
لكن ؛ هل احتفالات المولد النبوي الشريف تتم في يوم مولده الحقيقي ؟؟
التاريخ لا يكذب ولا يتجمل ، والثابت أن يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم – غير متفقٌ عليه !!
بل مختلفٌ عليه بين المؤرخين في غياب أي نص ” شرعي ” من قرآن كريم أو حديث شريف أو نص تاريخي يحدد بالأدلة العلمية موعد يوم المولد …… الذي بدأ الاحتفال به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع قرون !!
= انقسام العلماء حول التاريخ الدقيق للمولد النبوي أمر طبيعي، فلا أحد كان يعلم ما سيكون لهذا المولود من شأن في تاريخ الكون والبشرية، فقد ظل بعيدا عن الأضواء حتي جاءه الوحي في غار حراء، ليبدأ البحثُ في تاريخه الشريف، من خلال ما رواه أهله وأصحابه والمقربون منه.
= “الشائع” لدى كثير من أهل العلم أنه وُلد يوم الإثنين 12 ربيع الأول عام 571 ميلادية.
و لكن هناك كثيرون آخرون واثقون أن المولد في نفس الشهر مع اختلاف ” اليوم “.
· الثابت أنه لا تجتمع الأمة علي باطل ، لذلك يبدو ” تحديد ” يوم 12 ربيع الأول – كموعد للمولد النبوي مثيرا للدهشة في غياب أي (دليل شرعي) عليه، وفي ظل انقسام العلماء والمؤرخين حوله !
= الاتفاق الوحيد بين العلماء والمؤرخين علي أمرين هما؛
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الإثنين 12 ربيع الأول – بلا جدال بالإجماع.
2. أن الاحتفال بالمولد النبوي تم لأول مرة في عهد الفاطميين.
= دولة الفاطميين العبيديين هي الوحيدةُ التي اتخذت المذهب الشيعي (العلوي – الإسماعيلي) مذهبًا رسميًّا لها، جذورها أصلها من إيران الآرية الفارسية ، ثم هاجروا للمغرب الأفريقي وأسسوا دولتهم في تونس سنة 909 م. واحتلوا مصر سنة 969 م، بعد أن خرجوا علي الحاكم العباسي للإمبراطورية الإسلامية.
= ككل طوائف الباطنية زعم الفاطميين أنهم منسوبين إلى مُحمَّد بن إسماعيل بن جعفر الصَّادق، من آل البيت عبر السيدة فاطمة الزهراء والإمام عليّ بن أبي طالب.
= كان عصر الاحتلال الفاطمى نذيرا لسقوط الامبراطورية الإسلامية، وفتحا لأبوابها أمام الاستعمار الصليبي وسقوط القدس العربي الشريف سنة 1099 م.
= المثير لآلاف المعاني بين السطور ؛ أن نفس التاريخ تقريبا شهد صعود دولة الموحدين الشيعية !! التي أسسها المتطرف محمد بن تومرت (1080م – 1130م)، وتسمية “الموحدين” ترجع إلي عقيدتهم في توحيد الله مع إنكار أسمائه الحسنى بزعم أنها أسماء لصفات مادية وهو ليس كمثله شيء فكانوا يذكرون الله باسمه المفرد (الله).
وفي عهدها سقطت الأندلس العربية في معركة حصن العقاب سنة 1212م.. !!
= بالمقابل ؛ انتصر المسلمون واستعادوا شرف قدسهم العربي ، بقيادة الفاتح / الناصر صلاح الدين الأيوبي بعد نجاحه في إسقاط حُكْم الفاطميين وأعاد حكم مصر للدولة العباسية بقيادة السلطان ” المُستضِيء بأمر الله ” بدلاً من العاضِد لدين الله الفاطميّ، في السابع من مُحرَّم لعام 567 هـ.
.. وهذه الانتصارات علي الفاطنيين ذيول إيران الفارسية (المتشيعة ظاهرا) وراء هجوم أعوانها من بعض المثقفين علي قائد عظيم بحجم ” صلاح الدين “.
· هكذا بدأ الاحتفال بالمولد
أجمع العلماء والمؤرخون علي بدء الاحتفال بالمولد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة قرون، كما نري؛
= ذكر المؤرخ الكبير ” تقي الدين المقريزي ” – شيخ المؤرخين المصريين – ولد وتوفي بالقاهرة (764 هـ ـ 845 هـ) في خططه الشهيرة أن الفاطميين أول من احتفل بالمولد النبوي.
= ذكر المؤرخ “عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان شهاب الدين ، أصله من القدس، الدمشقي الدار، الشافعي الفقيه المحدث المعروف بأبي شامة (596 هـ – 665 هـ) أن معين الدين أبو حفص عمر بن محمد بن خضر الإربيلي الموصلي، المعروف بالملاّء (توفي 570 هـ / 1174 م) الشهير بلقب “شيخ الموصل” أوّل من أقام الاحتفال بالمولد النبوي.
= ذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل (شمال العراق) الملك أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين.
= ذكر المؤرخ ” حسن السندوبي ” أن الفاطميين هم أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التي عُدت من مواسمها.
= ذكر الدكتور عبد المنعم سلطان في كتابه عن الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي فقال:
.. “اقتصر احتفال المولد النبوى في الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فتمثل في موكب قاضى القضاة إلى الجامع الأزهر، ثم قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة..”
.. ” تمت إضافة الاحتفال بالمولد النبوي إلي احتفالات الفاطميين بأعيادهم الأصلية مثل مولد الخليفة الحاضر ، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات” و.. عيد الغدير “.
((عيد الغدير ، يزعم الشيعة أنه اليوم الذي بايع فيه النبي ابنه عمه، علي ابن أبي طالب خليفة له وأن الصحابة أخفوا البيعة وخانوا النبي محمد وابن عمه – كذبا وزورا وافتراء علي الصحابة – رضي الله عنهم – خير البشر بعد الأنبياء)).
= ذكر الشيخ ” صفي الدين المباركفوري ” في كتابه ” الرحيق المختوم “؛ (ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين – أو !! – الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م).
– وهو ما حققه العالم والمحقق الفلكي محمود باشا.
= ذكر الشيخ ” محمد الطيب النجار ” في كتابه ” القول المبين في سيرة سيد المرسلين” أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عمره 63 عاما قمريا، بما يوازي بالسنين الشمسية 61 عاما، وكانت الوفاة ضحى يوم الاثنين 13 ربيع الأول 11هـ / 8 يونيو سنة 633م.
= قال الإمام محمد بن إسحاق – بحسب تلخيص بن هشام لكتابه “السيرة النبوية” (1/ 158، ط. الحلبي): [ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل] اهـ.
= الدراسات الحسابية والفلكية المعاصرة أثبتت أنه وُلد يوم الاثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول، بحسب الفلكيين كالعلامة محمود باشا والمنصور فوزي وغيرههما ، أن يوم 12 ربيع الأول في العام الذي وُلد فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – مستحيل أن يكون يوم ” الاثنين “.
وإنما هو يوم الاثنين التاسع من شهر ربيعٍ الأول الموافق 22 شهر إبريل لعام 571 م.
= بحسب كتاب “الأيام النضرة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم (1/14) للشيخ ” صالح بن عواد المغامسي “.
= دراسة بعنوان ” مولد النبي لم يكن في الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول ”
· مقدمة
= جرى العرف على الإحتفال بمولد النبي صلوات الله وسلامه عليه في كل عام كلما جاء يوم 12 من شهر ربيع الأول – فهل ولد الرسول فعلا في هذا التاريخ ؟؟
= روج كتاب التاريخ الإسلامي، لإدعاء بأن يوم ميلاده وافق يوم الإثنين من أيام الأسبوع، بما ذكر من رسول الله كان يصوم الإثنين من كل أسبوع، ” ذلك يوم ولدت فيه .. “- الحديث من صحيح مسلم.
· نقطة بداية البحث
= كانت العرب تؤرخ للوفيات ، ولم يكن معلوما ولا متعارفا عليه تسجيل المواليد ذاك الحين، ذلك لأنهم لم يكن لديهم وثائق أو دفاتر لتسجيل الأحداث، وكلها كانت تعتمد على قدر المتوفي ، لذا ظهرت فيما بعد كتب ومجلدات تحوى أعلام الوفيات، وفيها ذكر متى وأين وكيفية وفاة الشخصيات التي يتحدثون عنها، ولم يظهر بحال أي ذكر عن الميلاد اللهم إلا تخمينا وربطا بأحداث قد تكون قد حدثت قريبا من ميلاد الشخصية قيد البحث.
ترتب عليه أن ترسخ في الأرضية الثقافية لعامة المسلمين أن الإحتفال بمـُولدْ إحدى شخصيات آل البيت هو الإحتفال بيوم موْلده ، مع أن الواقع هو إحياءً لذكرى وفاته !!
= لا يوجد من يجزم بأن يوم ميلاد الشخصية كان يوم كذا، لكن المؤكد أن يتذكر الجميع يوم الوفاة.
= الثابت أنه صلوات الله وسلامه عليه قد انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم 12 ربيع الأول.
= أرجح الآراء تقول أنه ولد في عام الفيل، لكن تضاربت الأراء في توقيته وتحديده، بعد شهر أو خمسين يوما أو شهرين بعد حادثة الفيل، وقيل في رجب أو رمضان.
= يوم الوفاة أجمعت معظم الآراء على إحتساب وقوعه في الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر الهجري.
= وفقنا الله للوقوف على حدثين مهمين إرتبطاً بتحديد يوم بذاته لكل منهما.
– أولهما :-
= حقيقة علمية مفادها أن وفاة ابن الرسول ( إبراهيم ) من ماريا القبطية، قد صاحب وفاته حدوث حادثة كونية مهمة لا تتكرر كثيرا ألا وهي كسوف الشمس في ذاك اليوم، وهي معلومة علمية يسهل التحقق منها بالرجوع إلى جداول رياضية محكمة الحساب خاصة لحدوث ظاهرة الكسوف، حيث توفي ( في الثدي ) رضيعا.
– ثانيهما :-
= معلومة تاريخية أجمعت عليها كل كتب السيرة، وهي أن وقفة عرفات في حجة الوداع وافقت يوم جمعة، أي أن يوم التاسع من ذي الحجة من العام العاشرالهجري والذي يقف الحجيج فيه على جبل الرحمة من منطقة عرفات كان يوافق يوم جمعة.
.. بهذا يكون لدينا يومين محددين نستطيع أن نتخذ من أحدهما بداية الحساب.
أولهما يشكل معلومة علمية محددة بشكل قاطع ولا خلاف عليها، فكسوف الشمس له جداول ومواقيت ثابتة راسخة منذ بدء الخليقة وإلى أن تقوم الساعة ونستطيع أن نحدد بدقة وبشكل قاطع متي حدث هذا الكسوف الذي تواكب ووفاة الصغير إبراهيم.
= بحسب المراجع العلمية ، حدث كسوف كلي للشمس شوهد في المدينة المنورة في الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم الإثنين 27 يناير من عام 632 ميلادي – الموافق 29 شوال العام العاشر الهجري .
= كانت هذه المعلومة نقطة البداية الحقيقية والقاطعة لبداية الحساب، وبداهة أننا سوف نبدأ أولا بالتحقق من إمكانية وقوع وقفة عرفات ذاك العام في يوم جمعة.
وعلينا قبل البدء في التحقق أن نلفت الإنتباه إلى أن عدد أيام الشهر القمري – والذي تعارفنا عليه بكونه الشهر الهجري أو الشهر العربي – هي إما أن تكون وتراً 29 يوم أو تكون شفعاً 30 يوم .
= أيضا يوم الأسبوع والذي يوافق أول الشهر أو اليوم الفاتح من الشهر أي الذي يأخذ الترقيم الأول ، سوف يتكرر بداهة في اليوم الثامن، والخامس عشر والثاني والعشرين والتاسع والعشرين، أي أن أيام 1 ، 8 ، 15 ، 22 ، 29 لها مسمي واحد من أيام الأسبوع السبعة.
وكذا أيام 2 ، 9 ، 16 ، 23 ، 30 لها هي الأخرى مسمي واحد يختلف بطبيعة الحال عن المسمى السابق.
= يظهر أهمية هذين البديهتين الحسابيتين أثناء عملية التحقق من توافق يوم الجمعة ليوم الوقوف بعرفة في حجة الوداع ، وأيضا توافق يوم الأثنين ليوم وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
= نلفت الإنتباه إلى بديهية ثالثة وهي بديهية التعاقب، كقاعدة رياضية حسابية راسخة، وهي إنتفاء وقوع توالي لنفس العددية من الأيام للشهر القمري لأكثر من شهرين متتابعين، فيمكننا أن نجزم أنه لا يمكن حسابيا أن يأتي عددية الأيام في الشهر الهجري وترا (أي 29 يوما) لأكثر من شهرين متتابعين ولابد أن يأتي الشهر التالي لهما شفعا (أي 30 يوما)، وكذلك في الشهرين الشفع لابد وأن يعقبهما شهر وتر.
· حساب التوافقيات؛
= أولا : التحقق من توافق يوم الجمعة ليوم وقوف الرسول بعرفة في حجة الوداع وكانت في العام الهجري العاشر.
= ثبت من الإطلاع على جداول فلكية خاصة، أنه قد حدث كسوف كلي للشمس على المدينة المنورة في الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم الإثنين 27 يناير 632 م الموافق 29 شوال 10 هـ.
= بحساب الأيام نجد أن يوم 9 ذي الحجة 10 هـ يوافق يوم جمعة في احتمالين اثنين من أربعة احتمالات.
أولهم : أن يكون عدد أيام شهر شوال 29 يوم، وتتم أيام شهر ذي القعدة 30 يوم.
ثانيهم : أن تتم عدد أيام شهرشوال 30 يوم، وتكون أيام شهر ذي القعدة 29 يوم.
= هكذا تم التحقق من الأخبار التاريخية المذكورة في السيرة النبوية وهي أن وقفة عرفات في حجة الوداع وافقت يوم الجمعة، وهكذا تتطابق الحقيقة العلمية الكونية والحقيقة التاريخية.
= هكذا أيضا تم التحقق من توافق الحقيقة العلمية التي تذكر أن وفاة إبراهيم واكبت كسوف الشمس في 29 من شوال 10 هـ، والخبر التاريخي، وهي أن وقوف النبي بعرفة في حجة الوداع وافق يوم الجمعة 9 من ذي الحجة من العام العاشر الهجري.
ثانيا: التحقق من توافق يوم الإثنين ليوم وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الثاني عشر من شهر ربيع الأول للعام الحادي عشر الهجري.