عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصة لم تنتهي
عمر بن الخطاب ولد في مكة المكرمة عام 40 قبل الهجرة، وكان من قبيلة قريش، نشأ في بيئة قاسية وتعلّم الصلابة والقوة منذ صغره، واشتهر بشخصيته القوية وطباعه الحادة. كان ماهرًا في الفروسية والقتال، وبرز كشخصية قيادية في قريش. قبل إسلامه، كان عمر شديد العداء للمسلمين، ويُروى أنه كان من أشدّ المعارضين لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
إسلامه رضي الله عنه
الروايات تروي لنا أن إسلام عمر بن الخطاب جاء بعد قصة مؤثرة. في يوم من الأيام، قرر عمر قتل النبي محمد، لكنه في طريقه علم بإسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد. عندما دخل عليهما ووجد أنهما يقرآن القرآن، غضب بشدة ولكنه تأثر بعد أن سمع آيات من سورة طه. شعر بنور الحق يضيء قلبه، فتوجه مباشرة إلى دار الأرقم وأعلن إسلامه أمام النبي وأصحابه. كان إسلامه نقطة تحول كبيرة، وأصبحت قريش تدرك أنه لا يمكنها الاستهانة بالإسلام بعد الآن.
مواقفه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
بعد إسلامه أصبح عمر بن الخطاب من أقوى المدافعين عن الإسلام، ورافق النبي في مختلف الأحداث والمعارك. شارك في معركة بدر ومعركة أحد، وكان له دور بارز في حروب الدفاع عن المسلمين. كان يُعرف بجرأته وشجاعته في قول الحق، حتى إنه اقترح على النبي الصلاة في العلن أمام الكعبة، وكان أول من أعلَن إسلامه بشجاعة. كان من بين المستشارين المقربين للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى أن رسول الله قال عنه: "لو كان بعدي نبي لكان عمر".
الخلافة وأهم إنجازاته خلالها
بعد وفاة النبي وتولي أبي بكر الصديق الخلافة، كان عمر الذراع الأيمن له والمستشار الأول. بعد وفاة أبي بكر، تولى عمر بن الخطاب الخلافة، وبدأ مرحلة جديدة من الحكم الإسلامي. تميزت خلافته بالعدل والإصلاح، فقد أنشأ نظمًا إدارية وأسس الدولة الإسلامية بشكل متين. كان أول من وضع الدواوين (الوزارات)، وأنشأ نظام القضاء، وقام بتقسيم الأقاليم وإرسال الولاة ليحكموا فيها بالعدل. أيضًا وضع التقويم الهجري ليصبح التاريخ الإسلامي المعتمد.
فتوحات عمر بن الخطاب
خلال فترة خلافته، شهدت الدولة الإسلامية توسعًا كبيرًا، ففتح العراق والشام ومصر وفارس. قاد الفتوحات الإسلامية نحو الشام، حيث تمت السيطرة على دمشق، وحمص، ودخل فلسطين لأخذ مفتاح بيت المقدس بعد ان فُتِحَ في عهده، كما استطاع المسلمون تحت قيادته هزيمة الفرس في معركة القادسية، ومعركة نهاوند التي سُميت بـ"فتح الفتوح". استمرت الدولة الإسلامية في النمو والتوسع تحت قيادته، وأصبحت تُعتبر من أقوى الدول في ذلك العصر.
سياسة الفاروق في الحكم
عُرِف عمر بن الخطاب بالعدل بين الناس، ولم يكن يُفرّق بين المسلم وغير المسلم في تقديم الحقوق. كان يتفقد أحوال الناس بنفسه، ويهتم بالفقراء والمحتاجين، ويروي أنه كان يمشي ليلاً في طرقات المدينة ليتأكد من عدل وراحة الناس. اتسمت سياسته بالشفافية والحرص على أموال المسلمين، فكان يتأكد من توزيع المال بعدالة بين الناس، وتحديد راتب للمحتاجين والأيتام. عُرف أيضًا بزهده، حيث كان يعيش حياة بسيطة، على الرغم من امتلاكه لثروات المسلمين، وكان يرفض استخدام أي من ممتلكات الدولة لأغراض شخصية.
وفاته رضي الله عنه
استمرت خلافة عمر بن الخطاب عشر سنوات، شهدت فيها الأمة ازدهارًا كبيرًا في جميع المجالات في آخر حياته، تعرض عمر لمحاولة اغتيال وهو يؤدي صلاة الفجر على يد أبي لؤلؤة المجوسي، الذي كان يحمل حقدًا على المسلمين. طعن أبو لؤلؤة عمر عدة طعنات، ما أدى إلى وفاته بعد أيام قليلة. قبل وفاته، أوصى باختيار خليفة جديد بشورى من الصحابة، وأوصى بعدم تولية أحد من أبنائه حرصًا على عدم توريث الحكم.
الإرث والتأثير الذي تركه
بوفاة عمر بن الخطاب انتهت مرحلة عظيمة من الخلافة الراشدة، وترك إرثًا خالدًا من العدل والزهد وحسن الحكم. أصبح مثلاً يحتذى به في القيادة الصالحة، واستمرت أثاره في توجيه الحكام من بعده. ظلّ المسلمون إلى يومنا يتذكرون عمر كخليفة عادل وحاكم حكيم، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من المبشرين بالجنة.