
حين تسقط الأقنعة ويبقى الإيمان
حينَ تَسْقُطُ الأقنِعَةُ ويَبقَى الإيمان
في زمنٍ تتغيّر فيه الوجوه، وتَلبَسُ الأقنعةُ كلَّ صباح، يظنّ الناسُ أنَّهم يَخفُون نواياهم، ويَستَترون خلف مظاهر براقة من التدين أو الصلاح أو القوة... لكن، وحده الإيمان الصادق، هو الذي لا يمكن تمثيله، ولا اصطناعه.
1. الإيمان ليس قناعاً يُرتدى
ليس الإيمان كلمات تُقال، ولا مظاهر تُرتدى، ولا صوراً تُنشر. بل هو نورٌ يقذفه الله في قلب من شاء من عباده، يهديه به في الظلمات، ويثبّته عند الشبهات، ويرفعه فوق تقلبات الزمان وأهواء الناس.
قال النبي ﷺ:
"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"
– رواه مسلم.
فكم من شخصٍ بيننا يبدو صالحًا، حسنَ الهيئة، لكنه إذا خلى بنفسه، خان العهد مع الله، وإذا خاصم فجَر، وإذا أُعطي طغى.
2. حينَ ينكشف الستر
تمرّ بالإنسان لحظات يَسقط فيها كل شيء: جاهُه، ماله، علاقاته، وحتى مظهره الذي اجتهد في تجميله. لحظات يُبتلى فيها بمرض، أو فقر، أو فَقْد، أو خيانة من أقرب الناس. وهنا فقط، يظهر المعدن الحقيقي.
هل يصبر؟
هل يرضى؟
هل يظلّ وجهه إلى القبلة، أم يدير ظهره لله ويبحث عن عزاء في البشر؟
قال تعالى:
"أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"
– [العنكبوت: 2]
3. الإيمان لحظة صدق
أحياناً، لا تحتاج إلى سنين لتُظهر إيمانك. قد تكون لحظة واحدة فقط.
كلمة تقف فيها مع الحقّ، أو سجدة في وقت ضيق، أو دمعة في جوف الليل، أو قرار تتخذه في الخفاء، ولا يعلم به أحد غير الله.
هذه اللحظة، قد تغيّر مصيرك في الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ"
– [البقرة: 143]
4. لا تَطلب إعجاب الناس، اطلب رضى الله
مشكلة الكثيرين اليوم أنهم يبنون حياتهم على نظرة الناس، لا على رضى الله. يحسنون الظاهر ليُمدَحوا، ويتكلمون لِيُعجبوا، ويتعبّدون لِيُروا.
لكنّ الله لا يخدع. الله لا تُخفى عليه خفايا القلوب.
وإنّ الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا له.
قال تعالى:
"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
– [الأنعام: 162]
5. الإيمان لا يُرى... لكنه يُشعَر
الإيمان لا يُقاس بطول اللحية ولا بعدد الخطب التي تلقيها، ولا حتى بكثرة الأذكار على لسانك.
قد تجد من لا يحسن الحديث، ولا يَعرف في الدين تفاصيل الفقه، لكنّ قلبه موصول بالله، يتوكّل عليه في كل خطوة، ويخشاه في كل نظرة، ويذكره في خلواته بلا تكلّف ولا رياء.
هؤلاء هم أولياء الله في الأرض، لا يعرفهم الناس، ولكن تعرفهم السماء.
قال تعالى:
"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
– [يونس: 62]
إنّ حرارة الإيمان تُشعَر في القلب، وصدق الدعاء يُلمس في الأثر، وصفاء النية يُثمر في البركة... لا في التصنّع، ولا في الادّعاء.
6. إذا خلوتَ... فانظر من أنت
أصدق لحظة بينك وبين الله، هي تلك التي تكون فيها وحيدًا، لا يراك بشر، لا يسمعك أحد، ولا تنتظر من أحدٍ مدحًا ولا تصفيقًا.
ماذا تصنع حينها؟
ما الذي يحرّكك؟
هل تنظر إلى الحرام لأن لا أحد يراك؟
أم تغضّ بصرك لأن الله معك؟
قال النبي ﷺ:
"ورجلٌ ذَكَرَ الله خالياً ففاضَت عيناه"
– متفق عليه.
هؤلاء هم الصادقون. لا يحتاجون جمهورًا، ولا جمهوريات إلكترونية. يكفيهم أن يعلم الله بما يفعلون.
فكن منهم... وابدأ من اللحظة.
الخاتمة:
حين يسقط كل شيء، يبقى الله
حين تفقد المال، ينفعك الإيمان.
حين يبتعد عنك الناس، يقرّبك الله إن كنت صادقًا.
حين تَخسَر كل شيء، سيبقى معك ما زرعته في قلبك من صدق، وتوكُّل، وحبّ لله، وخوفٍ منه.
ووالله، إنّ لحظة واحدة مع الله، تُغنيك عن أعمار من التمثيل مع الناس.
فكن مع الله، يكن الله معك، وإذا كان الله معك، فماذا فقدت؟ وإذا كان الله عليك، فماذا ربحت؟