
اشراقة مولد سيد الخلق
فجر النور في ليل الجزيرة
في الثاني عشر من ربيع الأول، وُلدت أعظم رسالة، وجاء إلى الدنيا خير الخلق محمد بن عبد الله ﷺ. لم يكن ميلاده حدثًا عابرًا، بل كان تحوّلًا في مسار البشرية، حيث أشرقت الأرض بعد طول ظلام بالحق، والرحمة، والعدل. لقد كانت الجزيرة العربية قبل مولده غارقة في الجهل والفرقة، فجاءت هذه اللحظة لتعلن بداية عهد جديد، يعلو فيه صوت التوحيد، وينحسر فيه ظلم الجاهلية.
ولادة لا تشبه غيرها
المولد النبوي ليس مجرد ذكرى تاريخية تُحكى، بل هو حدث تتجدد معانيه في كل عام. وُلد الحبيب ﷺ يتيم الأب، لينشأ في كنف الله، ثم فقد أمه صغيرًا، ليكون قلبه معلقًا بربه وحده. تلك البداية الصعبة صنعت نبيًّا يحمل في قلبه الرحمة لكل ضعيف، والحنان لكل محتاج، والعدل لكل مظلوم.
سرّ الاحتفاء بالمولد
لماذا يحتفل المسلمون بالمولد النبوي؟
الجواب ليس في المظاهر فقط، بل في جوهر الفكرة: تذكير بالقدوة، وتجديد للعهد على السير على خطاه. إن ذكرى المولد فرصة لإحياء السيرة النبوية، واستحضار صفاته من صدق وأمانة وتواضع ورحمة. إنه يوم يوقظ في القلب حبًّا صادقًا، ويزرع في العقل يقينًا بأن محمداً ﷺ لم يكن مجرد قائد تاريخي، بل رحمة للعالمين.
بين العادة والعبادة
قد يظن البعض أن المولد مجرد طقوس، حلوى وأضواء وأناشيد، لكن الحقيقة أعمق. فالمولد النبوي لا يُقاس بمظاهر خارجية، بل بما يتركه في القلوب من أثر. الاحتفاء الحقيقي يكون بتجديد العمل الصالح، والاقتداء بأخلاقه، ونشر السلام بين الناس. فالمولد ليس يومًا واحدًا في العام، بل هو منهج حياة يلازم المسلم في كل يوم.
دروس خالدة من المولد
الرحمة أساس الرسالة: كما قال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
الصبر طريق النجاح: فقد وُلد النبي ﷺ في أصعب الظروف، لكنه بلغ أعظم المقامات.
الوحدة فوق الفرقة: ميلاده كان بداية لعهد جمع القلوب على كلمة واحدة.
الأمل لا ينطفئ: مهما اشتد الظلام، يولد دائمًا نور جديد.
المولد بين الماضي والحاضر
اليوم، ومع تسارع الزمن وتراكم التحديات، نحن في أمسّ الحاجة إلى استلهام معنى المولد. فالعالم المليء بالصراعات يحتاج لروح الرحمة، والإنسان الذي يلهث خلف الماديات يحتاج إلى هدي النبي ليوازن حياته، والمجتمعات الممزقة تحتاج إلى أخلاقه لتعود إلى صفائها.
خاتمة: إشراق متجدد
المولد النبوي الشريف ليس ذكرى تُطوى بانتهاء يومها، بل هو إشراقة أبدية تتجدد كلما ذكرنا اسم محمد ﷺ، وكلما اقتربنا من سيرته العطرة. هو دعوة مفتوحة للقلوب كي تعود إلى منابع الصفاء، وللأرواح كي تجد في سيرته سلوى ونورًا. ومن عاش بمعاني المولد، عاش في حضرة النور مهما تقلبت الدنيا.في كل عام يطل علينا المولد النبوي، نتوقف قليلًا وسط ضوضاء الحياة لنستعيد معنى النور. ليس النور الذي يسطع في الطرقات بالأنوار الملوّنة، ولا في أصوات الأناشيد، بل هو النور الذي يتسلل إلى القلوب حين نتذكر محمدًا ﷺ.
هذا اليوم ليس حلوى تُشترى، ولا مناسبة اجتماعية نمرّ بها عابرين، بل هو فرصة لنراجع أنفسنا: هل نحن على خُطاه في رحمة التعامل؟ هل نحمل في قلوبنا ما كان يحمله من صدق وصفاء؟
المولد بالنسبة لي شخصيًا يشبه نافذة مفتوحة وسط بيت مزدحم بالدخان، يدخل منها هواء نقي ينعش الروح. كلما ضاقت بنا الأيام، تذكرنا أن في سيرة النبي ﷺ ما يكفي لإزالة الغبار عن قلوبنا، وإعادة ترتيب أولوياتنا.
قد لا نستطيع أن نكون مثله، لكننا نستطيع أن نقترب من طريقه. وهنا تكمن العظمة: أن نحاول، ولو بخطوة صغيرة، أن نعيش كما أراد لنا أن نعيش… برحمة، وعدل، ونور.