غزوه أحد الكبرى والصغري

غزوه أحد الكبرى والصغري

4 reviews

---

غزوه أحد الكبرى والصغري 

 

                              المقدمه 

يُعد التاريخ الإسلامي زاخراً بالأحداث العظيمة التي شكلت ملامح الدعوة الإسلامية ورسخت قواعد الدولة الناشئة في المدينة المنورة. ومن أبرز هذه الأحداث غزوة أُحد الكبرى وغزوة أُحد الصغرى (المعروفة بحمراء الأسد). وقد مثلت هاتان الغزوتان دروساً بالغة الأهمية للمسلمين، في ميدان القتال والتخطيط العسكري، وفي مجال التربية الإيمانية والنفسية.

 

---

أولاً: غزوة أُحد الكبرى (سنة 3 هـ)

 

                       أسباب الغزوة

بعد الهزيمة القاسية التي مُنيت بها قريش في غزوة بدر، والتي قُتل فيها صناديدها وكبار زعمائها، امتلأت صدورهم بالحقد والرغبة في الانتقام. فبدأ أبو سفيان بن حرب وقادة قريش يجمعون الأموال والسلاح، ويحثون القبائل على القتال. حتى إن نساء قريش شاركن في التحريض، ليخففن من وقع مصاب بدر، وليدفعن الرجال للثأر.

               استعدادات المسلمين

حين بلغ النبي ﷺ خبر خروج قريش، استشار أصحابه. وكان رأي النبي أن يبقوا في المدينة ويتحصنوا بها، لكن كثيراً من الشباب الذين لم يشاركوا في بدر تحمسوا للخروج لملاقاة العدو خارج أسوار المدينة. استجاب النبي لرأي الأغلبية، فخرج بجيش يقارب الألف مقاتل. غير أن عبد الله بن أُبيّ بن سلول، رأس النفاق، انسحب بثلث الجيش، فبقي مع النبي سبعمائة رجل فقط.

                         سير المعركة

وقف النبي ﷺ جيشه عند جبل أُحد، ووضع خمسين من الرماة على جبل عينين، وأمرهم بعدم النزول مهما جرى. بدأت المعركة وانتصرت جموع المسلمين في بدايتها، فانهارت صفوف قريش. لكن بعض الرماة خالفوا أمر الرسول ﷺ ونزلوا يجمعون الغنائم، فاستغل خالد بن الوليد (وكان يومها على الشرك) الثغرة، ودار بفرسانه حتى باغت المسلمين من الخلف.

اختلطت الصفوف واضطرب الميدان، وأصيب النبي ﷺ بجراح في وجهه وكُسرت رباعيته. واستشهد سبعون من خيرة الصحابة، منهم عمّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

                 نتائج غزوة أحد الكبرى

لم تحقق قريش نصراً حاسماً، إذ إنها لم تدخل المدينة ولم تقضِ على المسلمين.

أصيب المسلمون بخسائر فادحة، وكان ذلك بسبب مخالفة أوامر القيادة وعدم الانضباط.

نزلت آيات كثيرة من سورة آل عمران تعلّم المسلمين دروساً في الصبر والثبات.

كان في الغزوة تمحيص للصفوف، وابتلاء من الله ليميز الصادق من المنافق.

 

---

ثانياً: غزوة أُحد الصغرى (حمراء الأسد)

 

                       دوافع الغزوة

 

بعد انسحاب قريش من ساحة أحد، شعر النبي ﷺ بضرورة إظهار القوة، حتى لا يظن المشركون أن المسلمين قد انهزموا تماماً أو أصابهم الوهن. ومن هنا قرر الخروج في اليوم التالي مباشرةً لمطاردة قريش، رغم الجراح والآلام.

                               أحداثها

 

دعا النبي ﷺ أصحابه الذين شهدوا أُحداً للخروج معه، ولم يُلزم من لم يشارك أو من أُثخن بالجراح. ومع ذلك لبّى معظم الصحابة النداء، وكان عددهم قرابة سبعمائة. سار النبي بهم إلى منطقة حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة، وأقام هناك ثلاثة أيام.

أشعل المسلمون النيران الكثيرة ليلاً لإظهار كثرة عددهم، حتى بلغ الخبر قريشاً، فخاف أبو سفيان من العودة للقتال، وظن أن المسلمين قد استجمعوا قواهم وجمعوا حلفاء جدداً، فعاد مسرعاً إلى مكة.

                نتائج غزوة أحد الصغرى

 

رفعت معنويات المسلمين بعد الصدمة النفسية في أحد.

أظهرت لقريش أن المسلمين لم يُكسروا وأن قوتهم ما زالت قائمة.

كانت رسالة إلى القبائل العربية أن المدينة ما زالت منيعة وقادرة على الدفاع عن نفسها.

أكسبت المسلمين خبرة في الحرب النفسية والإعلامية، إذ كان إشعال النيران والتمركز ثلاثة أيام عملاً مقصوداً لإرهاب العدو.

 

---

  الدروس والعبر المستفادة

1. طاعة القيادة: مخالفة الرماة لأمر الرسول ﷺ في أحد أظهرت خطورة العصيان العسكري حتى لو كان بدافع دنيوي كجمع الغنائم.

 

2. الثبات والصبر: أثبتت غزوة حمراء الأسد أن المسلمين قادرون على تجاوز الهزيمة إذا تمسكوا بالإرادة والعزيمة.

 

3. الابتلاء سنّة إلهية: كانت خسارة أحد درساً تربوياً إيمانياً عظيماً، فليس النصر دائماً بالمظاهر المادية، بل بالتقوى والطاعة.

 

4. الحرب النفسية: أظهر النبي ﷺ وعياً استراتيجياً عندما أرهب قريشاً في غزوة الصغرى دون قتال مباشر.

 

5. تمييز الصفوف: أحداث أحد أظهرت المنافقين وأبانت للمجتمع الإسلامي من الذي يناصر الدعوة بصدق ومن يتربص بها.

 

 

---

                         خاتمة

لقد شكلت غزوتا أُحد الكبرى والصغرى منعطفاً مهماً في مسيرة الدعوة الإسلامية. فالأولى كانت درساً قاسياً في عواقب مخالفة الأوامر وضعف الانضباط، بينما كانت الثانية درساً في الثبات ورفع المعنويات وإظهار الصلابة أمام الأعداء. ومن خلالهما تعلم المسلمون أن النصر والهزيمة لا يُقاسان فقط بالنتائج العسكرية، بل بما يترتب عليهما من دروس إيمانية وتربوية تبني الأمة وتُعدها لمعارك أكبر في المستقبل.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

4

followings

2

similar articles