الصدق مفتاح الفرج

الصدق مفتاح الفرج

Rating 5 out of 5.
2 reviews

التاجر الأمين:

كان يا ما كان في قديم الزمان، في إحدى المدن العريقة التي عُرفت بأسواقها المزدهرة وتجارها النشطين، رجل صالح يُدعى "عبد الرحمن". اشتهر بين الناس بلقب التاجر الأمين، فقد كان يبيع ويشتري ولكن قلبه دائمًا معلق برضا الله، ولسانه لا يفتر عن ذكره.

لم يكن عبد الرحمن كغيره من التجار الذين يبحثون فقط عن الأرباح الكبيرة ولو على حساب الناس، بل كان يضع الصدق والعدل أساسًا لتجارته. فإذا جاءه المشتري، بين له عيوب السلعة قبل محاسنها، وإذا ائتمنه أحد على مالٍ أو بضاعة، حفظها وكأنها ملكه. وكان يردد دائمًا قول النبي ﷺ: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"، فيزداد إصرارًا على الصدق والأمانة.

وذات يوم جاءه رجل فقير يريد أن يشتري قمحًا لعياله، وكان معه مال قليل لا يكفي إلا لنصف ما يحتاجه. رقّ قلب عبد الرحمن لحاله، فباعه القمح بسعر أقل من السوق، بل زاده كيلتين من عنده صدقةً لوجه الله. فرح الرجل ودعا له دعاءً صادقًا من قلبٍ ملهوف: "جزاك الله خيرًا ورزقك من حيث لا تحتسب".

ولم تمضِ أيام حتى جاء قافلة كبيرة من الشام تحمل بضائع نفيسة، وكان التجار يتسابقون لشرائها. غير أن قائد القافلة قال: "لن نبيع إلا لعبد الرحمن، فقد سمعنا عن أمانته وصدقه". وهكذا ربح عبد الرحمن ربحًا عظيمًا، علم من خلاله أن البركة الحقيقية تأتي من رضا الله ودعاء المحتاجين.

لم تكن الأمانة عنده مجرد كلمة، بل منهج حياة. فإذا باع بضاعة مغشوشة عن طريق الخطأ، أسرع بردها للمشتري واعتذر له، بل عوضه ببضاعة أفضل. وكان يُذكّر الناس في السوق بقوله تعالى:

﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ [الأنعام: 152].

ومع مرور السنين، صار عبد الرحمن قدوة للتجار في السوق. حتى من كانوا يغشون أو يظلمون، بدأوا يقلدونه حياءً من مكانته وثقة الناس به. فأصبح السوق أكثر عدلًا وطمأنينة ببركة أمانته.

وذات ليلة، جلس عبد الرحمن مع أولاده يُوصيهم قائلاً:

"يا بَنيّ، المال يذهب ويأتي، لكن السمعة الحسنة تبقى، والأمانة رأس مال لا يخسر صاحبه أبدًا. من خسر أمانته خسر دنياه وآخرته، ومن تمسّك بها عاش عزيزًا عند الله والناس".

فنشأ أولاده على الصدق والوفاء، وساروا على نهجه في التجارة. وهكذا تحولت قصة التاجر الأمين إلى درس خالد يُروى للأجيال، بأن التجارة الحقيقية ليست في جمع الأموال فقط، بل في أن تكون وسيلة للتقرب إلى الله وخدمة العباد.

لقد علّمنا عبد الرحمن أن الأمانة ليست مجرد خُلُق يُمدح به الإنسان، بل هي عبادة وطريق إلى الجنة، وأن التاجر الأمين لا يكسب الذهب والفضة فقط، بل يكسب القلوب والدعوات الصالحة، وهي أثمن من كنوز الدنيا كلها.

“وهكذا يبقى التاجر الأمين قدوة خالدة، يثبت أن الأمانة والصدق طريقٌ للبركة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.”

 

image about الصدق مفتاح الفرج

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

3

followings

0

similar articles
-