
القصة: "طريق النور"
طريق النور
🌅 بداية القصة:
في أحد أحياء المدينة الهادئة، كانت ليان فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، نشأت في بيت بسيط، مليء بالمحبة ولكن خالٍ من التوجيه الديني العميق. كانت تحب الحياة، لكنها كثيرًا ما تشعر بفراغ داخلي لا تعرف سببه.
كانت تنجح في عملها، وتجتهد في دراستها، لكن رغم كل هذا، كانت تسأل نفسها كل ليلة:
"لماذا أشعر أن قلبي متعب؟ أين السكينة التي يتحدث عنها المؤمنون؟"
في أحد الأيام، بينما كانت تتصفح هاتفها، ظهر أمامها مقطع لفتاة تتحدث عن رحلتها في مجاهدة النفس، كيف غيرها القرآن وكيف وجدت في الصلاة معنى الحياة. توقفت ليان طويلًا أمام كلماتها، وكأن شيئًا في داخلها استيقظ بعد سبات طويل.
🌸 البداية نحو التغيير:
بدأت ليان تستمع للدروس الإسلامية في طريق عملها، وتقرأ يوميًا صفحة من القرآن. لم تكن البداية سهلة، فكلما همّت بالمواظبة، جاءها الكسل أو وساوس “غدًا أبدأ، اليوم متعبة”.
لكنها كانت تذكر حديث النبي ﷺ:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز».
فكانت تهمس لنفسها: “سأجتهد، ولو بخطوة واحدة كل يوم.”
مرت أسابيع، وأصبحت الصلاة بالنسبة لها راحة لا عبئًا، وصارت تستشعر السكينة بعد كل ركعة.
كانت تقول في مذكراتها:
“بدأت أرى الحياة بلون مختلف، كل تسبيحة تروي عطش قلبي.”
🌾 الاختبار الأول:
لم يخلُ طريقها من الابتلاء، ففي أحد الأيام اتُّهمت في عملها بشيء لم تفعله. كانت المواقف قاسية، والظلم مؤلمًا. جلست في غرفتها تبكي، ولكنها تذكرت قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»
فمسحت دموعها، وقررت أن تثبت على خلقها.
لم تدافع عن نفسها بالكذب أو الجدال، بل صمتت واحتسبت. وبعد أيام قليلة، ظهر الحق، واعتذر الجميع منها.
قالت في نفسها يومها:
“الاجتهاد ليس فقط في العمل، بل في الثبات على الأخلاق عندما يختبرك الله.”
🌼 رحلة العلم والإيمان:
قررت ليان أن تتعلم أكثر عن دينها، فالتحقت بحلقة لتفسير القرآن في المسجد القريب. كانت أول مرة تجلس بين نساء يذكرن الله بصدق.
كانت تشعر أن كل آية تُتلى تمسّ قلبها مباشرة.
وفي كل مرة تحفظ فيها آية، كانت تشعر أنها خطوة نحو الله.
قالت شيختها لها يومًا:
“من اجتهد في تزكية نفسه، رفعه الله في الدنيا والآخرة.”
تلك الكلمات علقت في ذهنها، وأصبحت شعار حياتها.
بدأت ليان تجتهد في عمل الخير بصمت: تساعد الأرامل، وتزور المرضى، وتكتب رسائل تحفيزية للفتيات الباحثات عن الطريق الصحيح.
كانت تشعر أن كل خير تقدمه يعود إلى قلبها طمأنينة.
🌙 الصراع الداخلي:
لكن النفس لا تُروّض بسهولة. أحيانًا كانت تغلبها الغفلة، فتنشغل بالدنيا أو تنقص همتها.
وفي كل مرة تسقط فيها، كانت تبكي وتعود إلى ربها.
كانت تقول وهي ساجدة:
“يا رب، لا تجعلني ممن يبدؤون الطريق ثم يضيعون في منتصفه.”
وفي أعماقها، كانت تعلم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس.
في إحدى الليالي، حلمت بأنها تمشي في طريق طويل مليء بالظلام، وبعيدًا يلوح نور خافت. كانت كلما اقتربت، اشتد النور حتى غمرها بالكامل.
استيقظت باكية، وقالت:
“اللهم اجعلني من أهل النور في الدنيا والآخرة.”
🌸 ثمار الاجتهاد:
مرت السنوات، وتغيرت ليان كثيرًا.
وجهها أصبح أكثر إشراقًا، قلبها أكثر سكينة، وعيونها تفيض بالرضا.
أصبحت من الداعيات في حيّها، تعلم الفتيات معنى التقوى والاجتهاد في الطاعة.
كانت تقول لهن:
“لا تنتظروا الكمال لتبدؤوا، بل ابدؤوا لتصلوا. كل خطوة نحو الله تساوي عمرًا من الراحة.”
وكان الناس يرون فيها مثالًا للفتاة المسلمة المجتهدة، التي لم تتغير ملابسها فقط، بل تغير قلبها وعقلها وسلوكها.
🌷 الخاتمة:
في إحدى الأمسيات، جلست ليان على سطح منزلها تنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم، تتأمل رحلتها الطويلة من الغفلة إلى الوعي، من الخوف إلى الطمأنينة.
كتبت في دفترها:
“تعلمت أن الاجتهاد في طاعة الله لا يعني أنني صرت بلا أخطاء، بل يعني أنني لا أستسلم لها.
كل يوم أجاهد نفسي لأكون أقرب، ولو خطوة، من رضا الله.”
ابتسمت وهي تغلق دفترها، ثم همست:
“اللهم ثبتني على طريق النور، فأنا ما زلت أتعلم السير إليك.”
