قصة بين صراع الوالدين وطمأنينة الرحمن

قصة بين صراع الوالدين وطمأنينة الرحمن

Rating 5 out of 5.
2 reviews

بين صراع الوالدين وطمأنينة الرحمن

وُلدت آمنة في بيتٍ لم يعرف السكينة منذ اللحظة الأولى لزواج والديها. كان زواجًا قائمًا على الكره لا على المودّة والرحمة، كل واحد منهما يرى الآخر خصمًا يجب كسره، لا شريكًا يجب مؤازرته. لم تسمع آمنة في صغرها كلمة حب بين أبيها وأمها، بل كانت تسمع صراخًا، خصامًا، وتبادلًا للاتهامات.

كانت طفلة صغيرة تبحث عن الأمان في عيون أمها، لكن أمها كانت غارقة في معاركها مع زوجها. تبحث عن دفء الأب، لكنه كان يعتبر البيت ساحة حرب، ينشغل بالانتصار على زوجته أكثر من انشغاله بتربية ابنته.

كبرت آمنة وهي ترى والديها يتصارعان على أتفه الأسباب:
من المسؤول عن المصروف؟ من أخطأ في كلمة؟ من لم يحترم الآخر أمام الناس؟ وكأنهم نسوا أن بينهم طفلة تنكسر روحها في كل مشهد خصام.

مرت سنوات طفولتها بين خوفٍ وبكاء مكتوم، تتمنى لو أن بيتها يشبه بيوت صديقاتها حيث الضحك والسعادة. لكنها حين تسأل نفسها: "لماذا بيتي مختلف؟"، تجد قلبها يتمزق.


مرحلة الشباب: جروح أعمق

دخلت آمنة مرحلة المراهقة والشباب، فازدادت الأزمة سوءًا. أصبح الصراع بين والديها أشد، وتحول البيت إلى مكان لا يُطاق. كل طرف يحاول كسبها إلى جانبه، حتى أصبحت وسيلة للانتقام بينهما.
كانت أمها تقول لها:

"أبوك لا يرحمنا ولا يحبنا، انظري كيف يعاملني!"
فيجيبها أبوها:
"أمك سبب كل مشاكلنا، هي التي أفسدت حياتي!"

فأصبحت آمنة تحمل همًّا أكبر من عمرها، ممزقة بين حبها لوالديها وكراهية الصراع الذي يعيشانه.

بدأت تعاني من أرق، من حزن عميق لا يعرف سببه أحد. كانت تجلس وحدها في الليل تبكي وتقول في دعائها:

"يا رب، لماذا خلقتني في هذا البيت؟ لماذا لم أعرف يومًا معنى السكينة؟"

لكنها مع الوقت بدأت تفهم أن الله سبحانه لا يترك عباده، وأن هذه الابتلاءات ما هي إلا طريق للنجاة إذا صبرت.


إدراك الحقيقة

في أحد الأيام، حضرت آمنة درسًا في المسجد عن قوله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

فبكت كثيرًا، لأنها لم ترَ في بيتها لا سكنًا ولا مودة ولا رحمة. لكنها في اللحظة ذاتها أيقنت أن الخطأ ليس في الدين، بل في سوء تطبيق والديها له. زواجهم كان مبنيًا على الكره، على حب الذات والانتصار، لا على عبودية الله وطلب رضاه.

قالت في نفسها:

"إذن لا ذنب لي، ولا ذنب للإسلام، الذنب في قلوبٍ لم تفهم أن الزواج ميثاق غليظ، لا معركة لإثبات القوة."


قرار التغيير

مع مرور السنوات، بدأت آمنة تبحث عن طريقها الخاص. لم ترد أن تكون نسخة عن والديها، ولا أن تكرر مأساة بيتها. لجأت إلى الله بصدق، تقرأ القرآن، تبكي بين يديه، وتدعوه:

"اللهم اجعلني سببًا لإصلاح نفسي، ولا تجعلني امتدادًا لأخطاء والديّ."

أصبحت أكثر قوة، وأكثر وعيًا. ورغم أنها ما زالت تعاني من آثار الماضي، إلا أنها تعلمت أن تبني جدارًا بينها وبين تلك السموم النفسية.

بدأت آمنة تكتب خواطرها، فوجدت فيها متنفسًا، وأصبحت كلماتها رسالة لكل من يعيش مثلها:
"لا تجعلوا أبناءكم ضحية صراعاتكم، فإنهم أمانة عند الله."


حوار مع الأم

ذات ليلة، جلست مع أمها وقالت:

"أمي، هل تعلمين أنني كنت أتمنى أن أراكِ سعيدة، أن أسمع منك كلمة حنان بدلًا من الشكوى الدائمة؟"

فأجابت الأم باكية:

"يا ابنتي، لقد ظلمت نفسي وظلمتكِ حين جعلتك شاهدة على حرب لم تختاريها."

ثم ذهبت إلى أبيها وقالت له بجرأة لم تعرفها من قبل:

"أبي، كنتَ دائمًا تبحث عن الانتصار على أمي، لكن هل تعلم من انهزم فعلًا؟ نحن جميعًا. أنا لم أعرف طعم الطمأنينة بسببكما."

صُدم الأب، وصمت طويلًا. لأول مرة أدرك أن صراعه مع زوجته لم يكن بين اثنين فقط، بل كان نارًا أحرقت قلب ابنتهما.


الخاتمة

كبرت آمنة، وصارت أكثر نضجًا، لكنها حملت رسالة حياتها بوضوح:
أن الزواج إذا لم يُبنَ على طاعة الله، صار ساحة حرب تهلك الأبرياء. وأن الأبناء ليسوا طرفًا في صراع الزوجين، بل أمانة ومسؤولية.

كانت دائمًا تردد قول النبي ﷺ:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته."

فآمنت أن الله رغم جراحها منحها وعيًا ورسالة: أن تُصلح ما أفسده والداها في داخلها، وألا تسمح للكره أن يرسم مستقبلها.

وهكذا، خرجت من بيت مليء بالخصام، لكنها خرجت بقلب متمسك برب السلام، لتبدأ حياة جديدة تبنيها على الحب، الرحمة، والإيمان.

 

image about قصة بين صراع الوالدين وطمأنينة الرحمن
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

25

followings

12

followings

9

similar articles
-