الأب الذي لم يعرف معنى الأبوة

الأب الذي لم يعرف معنى الأبوة

Rating 5 out of 5.
1 reviews

الأب الذي لم يعرف معنى الأبوة

في إحدى القرى الصغيرة، وُجد بيت واسع يملكه رجل يُدعى سالم. كان سالم معروفًا بغلظة قلبه وسوء خُلقه، لا يعرف اللين ولا الرحمة، ولسانه لا يفتر عن القسوة والشتائم. تزوّج بامرأة صالحة تُدعى خديجة، كانت طيبة القلب، صابرة على الأذى، تحاول قدر استطاعتها أن تحفظ بيتها من الانهيار.

أنجبت خديجة ثلاثة أبناء: يوسف، آمنة، وحسن. منذ ولادتهم، كانوا يتطلعون إلى عطف أبيهم، لكن سالم لم يعرف يومًا معنى أن يكون أبًا. كان يظن أن توفير لقمة العيش وحدها تكفي، أما الكلمة الطيبة، والابتسامة، والاحتواء، فقد كان يعتبرها ضعفًا لا يليق بالرجال.


جفاء الأب

كبر الأبناء وهم يسمعون من أبيهم كلمات جارحة، ونقدًا لاذعًا، لا يكاد يرضى عن شيء.

إذا اجتهد يوسف في دراسته، قال له: "أنت لا تصلح لشيء، مهما درست فلن تنجح."

إذا ساعدت آمنة أمها في شؤون البيت، صاح بها: "أنت لا تفعلين شيئًا صحيحًا."

حتى حسن الصغير، كان كلما حاول الاقتراب من والده، دفعه بقسوة أو صرخ في وجهه.

أما خديجة، فكانت صابرة، تذكر زوجها دائمًا بالله، وتقول له:
"اتق الله فينا يا سالم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرًا، وقال: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي."
لكنه كان يرد باستهزاء: "هذا كلام نساء، الرجل رجلٌ بصلابته لا بدموعه."


تراكم الجراح

مرت السنوات، وكبر الأبناء وهم يحملون في قلوبهم جراحًا عميقة. لم يعرفوا من أبيهم كلمة حب ولا لمسة حنان. كانوا يحسدون أصدقاءهم الذين يتحدثون عن آبائهم بحب، ويشعرون بالنقص كلما رأوا رجلاً يحتضن أبناءه.

ذات يوم، جلس يوسف مع أمه وقال لها:
"أماه، إلى متى سنصبر؟ أبي لا يرانا إلا أخطاءً، ولا يعاملنا إلا كغرباء، والله إننا لم نعد نحتمل."

أطرقت خديجة رأسها والدموع في عينيها، وقالت:
"يا بني، الصبر على الأذى عبادة، لكن لا يعني هذا أن نرضى بالظلم، الله سبحانه لا يحب الظالمين."


نقطة الانفجار

اشتد الأمر يوم مرضت خديجة، وكانت تحتاج إلى رعاية ودواء. بدلاً من أن يقف سالم بجوارها، اتهمها بالتمارض، وقال: "أنتِ ضعيفة، تتهربين من مسؤولياتك."

غضب يوسف، وقال له لأول مرة بجرأة:
"أبي، اتق الله! أمي ضحّت بحياتها من أجلنا ومن أجلك، ألا تستحي أن تجرحها وهي مريضة؟"

ثار سالم وصفع يوسف أمام إخوته. هنا، انفجر الحزن المكبوت، وبكت آمنة بصوت عالٍ، وقالت:
"حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا أبي، لقد قتلت فينا كل مشاعر البنوة."

حتى حسن الصغير، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة، صرخ قائلاً:
"لم نعد نريد العيش معك!"


قرار مصيري

اجتمع الأبناء مع أمهم، وقرروا الرحيل من البيت. لم يكن الأمر هروبًا من المسؤولية، بل كان حفاظًا على أرواحهم وكرامتهم. ذهب يوسف يعمل في المدينة، والتحقت آمنة بدراسة الشريعة، أما حسن فتابع دراسته عند أقاربه.

بقي سالم وحيدًا في بيته الكبير، لا يسمع إلا صدى صوته، ولا يجد من يفتح له الباب بابتسامة.


العبرة

مرت الأيام، وأصيب سالم بمرض أقعده. حينها أدرك أنه بحاجة إلى من يعتني به. حاول الاتصال بأبنائه، لكنهم كانوا بعيدين، لا يردون إلا برسائل مقتضبة، يؤكدون له أنهم لا يكرهونه لكنهم لا يستطيعون العيش معه.

تذكر حينها قول النبي ﷺ:
"كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يعول."

وبكى بكاءً مرًّا لأول مرة في حياته، وهو يردد:
"كنتُ أبًا بالجسد، ولم أكن أبًا بالرحمة… ضيّعت أهلي فضيّعني الله."


الخاتمة

لم يمت سالم إلا بعد أن تجرّع مرارة الوحدة، وفهم أن المال والجاه لا قيمة لهما أمام كلمة حب من ابن، أو دعاء صادق من زوجة. أما أبناؤه، فقد عاشوا حياةً أفضل بعيدًا عن قسوة أبيهم، لكنهم ظلوا يحملون في قلوبهم ندبة غائرة من رجل كان يُفترض أن يكون لهم سندًا.

وهكذا تعلّم الجميع أن الأبوة ليست إنجابًا فقط، بل هي رحمة، وحب، ورعاية، وأن من يظلم أهله فإنما يظلم نفسه أولًا.

image about الأب الذي لم يعرف معنى الأبوة
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

23

followings

11

followings

4

similar articles
-