قصة "بنت أصل"

قصة "بنت أصل"

Rating 0 out of 5.
0 reviews

بنت أصل 

في إحدى القرى البسيطة، وُجدت امرأة صالحة تُدعى مريم، نشأت على طاعة الله، وحُسن الخلق، وحفظت ما استطاعت من كتاب الله، وكانت مضرب المثل بين أهل قريتها في الأدب والصبر. تزوجت من رجل يُدعى سالم، رجل في ظاهره مستقيم، لكن في باطنه كان يحمل قسوة قلب، وتكبّرًا على من حوله.

في أول أيام الزواج، كانت مريم تتمنى أن تجد في بيتها المودة والرحمة، كما قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
لكن الواقع كان غير ذلك. فبدلاً من الكلمة الطيبة، وجدت قسوة ولسانًا جافًا. وبدل الحنان، وجدت استعلاءً وظلمًا.

كان سالم يرى أن الزوجة خادمة في بيت زوجها، وأن عليها أن تتحمل كل شيء بصمت، حتى لو كان على حساب كرامتها. وكان يردد دائماً أمام أهله:
"مريم بنت أصل، تتحمل وتصبر، ولن تشتكي."

فصار يستغل صبرها، ويُثقل عليها بطلبات لا تنتهي. فإن قصّرت في شيء يسير، انهال عليها باللوم والتجريح.

ضغط العائلة

لم يكن سالم وحده مصدر ظلمها، بل كانت عائلته أيضًا سببًا في مآسيها. أمه تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، تفرض أوامرها، وتتهم مريم بالتقصير في خدمة ابنها. وأخواته لم يتركن فرصة إلا واستصغرنها، ويقلن لها:
"أنتِ محظوظة بسالم، اصبري وكوني بنت أصل، فالزوجة الصالحة تتحمل."

كأن الصلاح في أعينهم يعني السكوت عن الظلم، وكأن "بنت الأصل" هي التي تُدفن مشاعرها وتبتسم رغم جراحها.

ليالي البكاء

كانت مريم تصلي الليل، وتبكي بين يدي ربها، تشكو بثّها وحزنها. لم تكن تجرؤ أن تشكو لأهلها، خوفًا من أن يُقال عنها ناشز أو غير راضية بنصيبها. فكانت تقول في دعائها:
"اللهم اربط على قلبي، واصرف عني همي، واجعل لي من كل ضيق مخرجًا."

وكانت تجد في القرآن سلوى، فإذا قرأت قوله تعالى:
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 57]
اطمأن قلبها أن الله يرى ظلمهم، وأنه سبحانه لن يتركها.

الابتلاء والاختبار

مرت السنوات، ومريم تتحمل وتصبر. أنجبت ولدين، وكانت تخاف أن يعيشا في بيت يغيب عنه العدل. فحاولت أن تغرس فيهما حب الله، وأن تعلمهما معنى الرحمة. لكن سالم لم يكن يغير من طباعه، بل ازداد قسوة.

في إحدى المرات، ضربها أمام أطفاله بسبب تقصير يسير في إعداد الطعام. بكت بحرقة، لكن قلبها امتلأ عزمًا ألا تدع هذا الظلم يحطمها. عندها تذكرت قول النبي ﷺ:
"اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة." [رواه مسلم].

فقالت في نفسها: "إن كان هو يظلمني اليوم، فالله لن يخذلني غداً."

لحظة الانكشاف

وذات يوم، مرض سالم مرضًا شديدًا ألزمه الفراش. لم يجد أحدًا من أهله بجانبه، فكل من كانوا يصفقون له في ظلمه تخلوا عنه. أما مريم، فقد كانت أول من وقف بجانبه، تسهر على راحته، وتُطعمُه بيدها، وتدعو له بالشفاء.

تعجب سالم وقال لها:
– "كيف تفعلين هذا بعد كل ما فعلته بكِ؟"
فأجابته بدموعها:
– "أنا لا أفعل لأجلك وحدك، بل أفعل طاعةً لله، وابتغاءً لرضاه. فإن كنت قد ظلمتني، فربي أعدل منك، وسيجزي كل نفس بما عملت."

التوبة والندم

تأثر سالم بكلماتها، وشعر بثقل ذنوبه. لأول مرة، أدرك أنه كان يظلم إنسانة صالحة لم تقصر في حقه، وأنه خالف قول النبي ﷺ:
"استوصوا بالنساء خيرًا." [رواه البخاري ومسلم].

فبكى وقال:
– "سامحيني يا مريم، لقد ظلمتك سنين طويلة."
فأجابته:
– "سامحتك، لكن تذكر أن الظلم لا يزول إلا بتوبة صادقة وردّ الحقوق."

منذ ذلك اليوم تغيّر سالم، وأصبح يسعى لتعويضها. صار يعاملها بالرحمة، ويذكرها بالدعاء، ويعترف أمام أهله بفضائلها، بعدما كان سببًا في قهرها.

العبرة

انتشر خبر تغيره بين الناس، وأصبحوا يضربون المثل بمريم في صبرها، وبسالم في توبته. وتعلم الجميع أن "بنت الأصل" ليست من تسكت على الظلم، وإنما هي التي تصبر ابتغاء وجه الله، وتذكّر زوجها بالحق، وتفتح له باب التوبة.

قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42].
فالله يمهل الظالم حتى يتوب أو يؤخذ بعدله.


الخاتمة

هذه القصة تبيّن أن الظلم ظلمات، وأن الله لا يترك المظلوم، بل يُمهل الظالم ليتوب. كما تؤكد أن الزوجة الصالحة هي التي تُحسن لزوجها طاعةً لله، وتصبر في سبيله، لكنها لا تنسى أن الله أعدل من الناس جميعًا.

فليتذكر كل زوج أن زوجته أمانة بين يديه، وأنه مسؤول عنها يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ:
“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.”

image about قصة
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

17

followings

8

followings

4

similar articles
-