
سراب الحب الحرام
سراب الحب الحرام
في مدينة هادئة مليئة بالشباب الطموح، عاش شاب يُدعى أحمد، في مقتبل عمره، مجتهد في دراسته، لكنه ضعيف أمام فتنة النساء، لم يزكِّ نفسه ولم يحفظ بصره كما أمر الله تعالى. وفي الجهة الأخرى كانت هناك فتاة تُدعى سارة، جميلة المظهر، مرحة الطبع، لكنها لم تكن قوية الإيمان بما يكفي لتُقاوم مغريات الحياة.
بدأت القصة حين تعارفا في الجامعة، وتبادلوا النظرات في البداية، ثم الكلمات، حتى تطورت العلاقة شيئاً فشيئاً، لتتحول إلى لقاءات سرية بعيدة عن أعين الأهل، غافلين عن أن الله يراهم، وأنه سبحانه قال:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32].
كانا يظنان أن مشاعرهما صادقة وأن "الحب" سيُبرر أفعالهما، ولم يدركا أنه حب محرّم سيقودهما إلى طريق مظلم. ورغم أن الضمير كان يؤنبهما أحياناً، إلا أنهما كانا يبرران لأنفسهما: "سنُتوج علاقتنا بالزواج قريباً… فما الضرر؟".
بداية الانحدار
مرت السنوات، وتعلقا ببعض أكثر فأكثر، لكن العلاقة كانت مليئة بالذنوب والكذب والخوف من الفضيحة. وكلما همَّ أحمد بالتوبة، عادت سارة لتُغريه بحديثها وابتسامتها. وكان الشيطان يزيّن لهما المعصية حتى صارا أسيرين لشهواتهما.
وبعد تخرجهما، قرر أحمد أن يتقدم لخطبة سارة، حتى يُسكت ضميره ويُرضي أهله، خصوصاً بعد أن خشي أن ينكشف أمرهما. فرح أهل سارة به، ولم يعلموا شيئاً عن الماضي الخفي. وتم الزواج بسرعة، على أمل أن "الحلال يمحو آثار الحرام".
لكن، هل يُمكن أن تُبنى حياة هانئة على أساس فاسد؟
الحياة الزوجية المظلمة
في الأيام الأولى من الزواج، عاشا لحظات من السعادة المؤقتة، لكن سرعان ما بدأ الجحيم يتسرب إلى حياتهما. لم يكن بينهما ثقة حقيقية، فقد عرف كل واحد منهما الآخر في طريق المعصية، وظلّ الشك يسيطر على قلوبهما.
كان أحمد يسأل نفسه: "كما خانت أهلها من أجلي، هل يُمكن أن تخونني مع غيري؟"
وكانت سارة تفكر: "كما كان يُخفي علاقته بي عن أهله، هل يخفي عني علاقات أخرى؟"
ومع مرور الأيام، تحولت الغيرة إلى خلافات حادة، والشك إلى نزاعات مستمرة، حتى صار بيتهما مليئاً بالصراخ واللوم والعتاب.
لم يبارك الله في زواجهما، ولم يعرفا السكينة التي وعد الله بها الأزواج في قوله:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:21].
لأنهما ببساطة لم يسيرا في طريق الله، بل في طريق الشيطان.
ثمار الحرام المُرة
لم تُرزق سارة بالذرية سريعاً، فبدأت المشاكل تتفاقم، وصار كل واحد منهما يُلقي اللوم على الآخر. وبدلاً من أن يتعاونا على الصبر والدعاء، تبادلا الإهانات والاتهامات.
زاد أحمد من خروجه من البيت هرباً من جو التوتر، وصارت سارة وحيدة، تشعر بالندم على ما اقترفته. حاولت أن تستعيد ذكريات أيام "حبّهما" قبل الزواج، لكنها وجدت أن كل تلك الذكريات لم تجلب سوى الألم والفضيحة.
لقد اكتشفا بعد فوات الأوان أن العلاقة المحرمة قبل الزواج لا تُبنى على مودة صافية ولا على احترام متبادل، بل على شهوة عابرة سرعان ما تخبو وتترك وراءها خراباً نفسياً وروحياً.
بداية التوبة
وفي إحدى الليالي المظلمة، دخل أحمد المسجد باكياً بعد مشاجرة حادة مع زوجته. جلس في ركن هادئ، واستمع لإمام يُذكّر المصلين بحديث النبي ﷺ:
"من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه".
عندها شعر وكأن الحديث يُخاطبه مباشرة. أدرك أنه لو ترك الحرام منذ البداية وصبر، لكان الله رزقه بزوجة صالحة وزواج مبارك.
عاد إلى البيت منهكاً، ليجد سارة أيضاً تبكي. جلست بجانبه وقالت:
"أحمد، أشعر أن الله غاضب منا… حياتنا كلها مشاكل، لم نذق طعم السعادة منذ زواجنا".
رد أحمد: "صدقتِ يا سارة، لقد بدأنا علاقتنا بمعصية، فحُرمنا بركة الزواج. لكن… هل نغرق للأبد؟ أم نبدأ صفحة توبة؟"
تعانقا باكين، وقررا أن يقطعا كل ما بقي من أثر الماضي: أن يُجددا إيمانهما، ويُكثرا من الاستغفار، ويُحاولا إصلاح ما بقي من حياتهما.
الخاتمة
مرت سنوات، ولم تكن حياتهما مثالية، لكنهما تعلما درساً عظيماً: أن الحرام لا يجلب إلا التعاسة، وأن الطريق إلى السعادة لا يكون إلا بطاعة الله.
لقد تحولت قصتهما إلى عظة لكل من حولهما: "لا تُخدعوا بسراب الحب الحرام، فإن نهايته مريرة، وإن البركة لا تكون إلا فيما أحل الله".
العبرة
من يسلك طريق المعصية ظناً أنه سيصل إلى السعادة، فلن يجد إلا الضياع. أما من يحفظ نفسه ويصبر حتى يأتيه الحلال، فإن الله يُبارك له في زواجه ويُقرّ عينه بالسكينة والمودة والرحمة.
