
أحداث غزوة أُحُد كما لو كنتُ حاضرًا
أحداث غزوة أُحُد كما لو كنتُ حاضرًا
غزوة أحد: أحداث ودروس باقية
تُعتبر غزوة أحد من الغزوات العظيمة في السيرة النبوية، وقد حملت معاني كبيرة ما زالت تُلهم المسلمين حتى اليوم. هذه الغزوة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين المسلمين وقريش، بل كانت مدرسة تربوية عملية علّمت المؤمنين دروس الطاعة والثبات والصبر عند الابتلاء. وقعت أحداثها في السنة الثالثة من الهجرة، بعد انتصار المسلمين في بدر، وهو النصر الذي هزّ كبرياء قريش وأفقدها مكانتها بين العرب، فقررت أن تجمع قواها وتنتقم.
أسباب الغزوة واستعدادات قريش
بعد بدر، لم تهدأ نفوس المشركين، وخصوصًا أن أشرافهم ورجالهم البارزين قُتلوا في تلك المعركة. اجتمع قادة قريش وأقسموا على الأخذ بالثأر. جمعوا جيشًا من ثلاثة آلاف مقاتل، فيهم مئتا فارس وسبعمائة دارع، واصطحبوا معهم النساء ليشجّعن الرجال ويحمسونهم على القتال. كان قائد الجيش أبا سفيان بن حرب، وخرجوا من مكة متجهين نحو المدينة.
موقف النبي ﷺ والمسلمين
حين بلغ النبي ﷺ خبر خروج قريش، استشار الصحابة في كيفية المواجهة. بعضهم رأى البقاء في المدينة والتحصن بها، بينما رأى آخرون – خاصة الشباب – الخروج لملاقاتهم خارجها، ليبرهنوا على قوتهم. استقر الرأي على الخروج، وتهيأ المسلمون للمعركة. كان عددهم ألف رجل، لكن عبد الله بن أُبيّ بن سلول، رأس المنافقين، انسحب مع ثلاثمائة من أتباعه، فبقي مع النبي ﷺ سبعمائة فقط.

خطة النبي ﷺ في المعركة
اختار النبي ﷺ موقعًا استراتيجيًا عند جبل أحد، وجعل ظهر الجيش إلى الجبل حتى لا يُؤتى من الخلف. ووضع خمسين رامياً على جبل صغير يُعرف بجبل الرماة، وأوصاهم أمرًا واضحًا: ألّا يتركوا أماكنهم تحت أي ظرف، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا. كانت الخطة قائمة على الانضباط والطاعة الصارمة.
بداية القتال والنصر الأول
انطلقت المعركة صباح السبت، وقاتل المسلمون قتال الأبطال. أبلوا بلاءً عظيمًا، وأجبروا قريش على التراجع. قُتل من المشركين عدد كبير، حتى إن نساءهم بدأن بالهرب. في هذه اللحظة، خُيّل للمسلمين أن النصر قد تحقق، وبدأت ملامح الغلبة تظهر.
خطأ الرماة وانقلاب الموازين
لكن بعض الرماة لم يتمالكوا أنفسهم حين رأوا الغنائم، فنزلوا من مواقعهم يظنون أن المعركة انتهت. هنا استغل خالد بن الوليد – وكان يومها مشركًا – هذا الخلل، فالتف بخيالة قريش من وراء الجبل، وضرب المسلمين من الخلف. فجأة تغيرت الأحوال، واضطربت صفوف المسلمين، وانتشرت إشاعة بموت النبي ﷺ، مما زاد من حالة الارتباك.
إصابة النبي ﷺ
تعرض رسول الله ﷺ لإصابات بالغة، فقد شُج رأسه، وكسرت رباعيته، وسقط في حفرة حفرها المشركون. لكن الصحابة الأوفياء أحاطوا به ودافعوا عنه بأرواحهم. كان من بينهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم من الأبطال الذين سجّلوا مواقف بطولية ستظل خالدة.
بطولات الصحابة واستشهاد حمزة
من أعظم المواقف في هذه الغزوة بطولة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم النبي ﷺ، الذي قاتل بشجاعة حتى استشهد، فحزن النبي ﷺ عليه حزنًا شديدًا. واستشهد أيضًا سبعون من الصحابة الكرام، تركوا درسًا خالدًا في التضحية والفداء.
نهاية المعركة
لم تحقق قريش نصرًا حاسمًا، فاكتفت بإظهار قوتها ثم انسحبت عائدة إلى مكة. أما المسلمون، فقد عادوا إلى المدينة وهم مثخنون بالجراح، لكنهم تعلموا درسًا لن يُنسى: أن الطاعة والانضباط هما أساس النصر، وأن مخالفة أمر النبي ﷺ مهما بدا بسيطًا قد تجر إلى عواقب خطيرة.
الدروس والعبر
غزوة أحد ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل هي مدرسة تربوية. علمتنا أن النصر لا يُنال بالقوة وحدها، بل بطاعة الله ورسوله. وأن الهزيمة قد تكون رحمة، لأنها تكشف النفوس وتربي القلوب. ففيها تميّز المؤمن الصادق عن المنافق، وظهر أثر الطاعة في قوة الصف. كما علمتنا أن الابتلاء سنة من سنن الله في تربية عباده، وأن المؤمن لا ييأس إذا أصابه البلاء، بل يزيده ذلك صبرًا وإيمانًا.
قال الله تعالى في وصف ما حدث: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 152].