الفتاة التي أنصفها الله

الفتاة التي أنصفها الله

Rating 0 out of 5.
0 reviews

الفتاة التي أنصفها الله

البداية: 

الطفلة الطاهرة

في قريةٍ صغيرةٍ يغمرها الهدوء، وتحيط بها بساتين الزيتون والقمح، عاشت فتاة تُدعى سلمى.
كانت سلمى مثالًا للبنت المسلمة المطيعة، تحفظ ما تيسّر من كتاب الله، وتساعد والدتها في شؤون البيت، وتبتسم في وجه كل من يلقاها. لم تكن تسعى وراء الدنيا، بل كان قلبها معلّقًا بالآخرة، وكل من رآها أحبها لصفاء نفسها وبساطة روحها.

لكن مع هذه النعمة التي رزقها الله، كانت هناك امرأة في العائلة تضمر لها الشرّ، وهي عمتها فاطمة. كانت فاطمة امرأة يغلب عليها الطمع والحسد؛ لا ترى الخير عند غيرها إلا شعرت أنه ينتقص من نصيبها. رأت محبة الناس لسلمى، فاشتعل قلبها غيرةً وحنقًا، وبدأت تفكر في طريقة تُسقط بها صورة الفتاة أمام الجميع.


بذور الحسد تتحول إلى مؤامرة

في أحد المجالس النسائية، جلست فاطمة تتحدث بخبث:

"هل رأيتم كيف تغيّرت سلمى؟ لم تعد تلك الفتاة البريئة كما كانت... أظنها تخفي شيئًا."

كلماتها كانت كالسم، تنتشر في الآذان بسرعة، حتى بدأت النساء يتهامسن فيما بينهن. ومع مرور الأيام، ابتدعت فاطمة قصةً عن علاقة وهمية بين سلمى وشابٍ غريب. لم يكن هناك دليل واحد، ولكن الناس بطبعهم يصدقون ما يُشاع أكثر مما يتحققون.

وصلت هذه الأقاويل إلى والد سلمى، فانقبض قلبه. حاول أن يُكذّب الأمر، لكن كثرة الكلام جعلته مترددًا. أما أم سلمى فقد انهارت دموعها، وهي تنظر إلى ابنتها البريئة لا تدري كيف تدافع عنها أمام الناس.

سلمى، التي لم تعرف في حياتها إلا الطهر والصدق، وجدت نفسها فجأة محاصَرة بالاتهامات. لم تعد صديقاتها يزرنها كما في السابق، وبعض الجارات صرن يتهرّبن من السلام عليها. كانت هذه الجراح أعمق من أن تُحتمل، لكنها رفعت يديها للسماء في كل ليلة، قائلة:
"يا رب، إنهم ظلموني، فانتصر لي، فأنت نصيري وأنت حسبي."


ألم الفتاة البريئة

سنواتٌ طويلة مرّت وسلمى تكبر مع وصمةٍ علقت باسمها ظلمًا. لكن رغم ذلك، لم تفقد قوتها. واصلت دراستها بجد، حتى حصلت على شهادتها وأصبحت معلمةً للأطفال في قريتها.
كان حبّ الأطفال لها وتعلّقهم بها دليلاً على نقاء قلبها. كلما رآها الناس تُعلّمهم القرآن والآداب الإسلامية، شعروا أن هناك تناقضًا كبيرًا بين ما قيل عنها وبين ما يشاهدونه من أفعالها. ومع مرور الوقت بدأ بعضهم يشكّ في صدق الشائعات القديمة، لكن الضرر الذي لحق بها لم يُمحَ بسهولة.

أما فاطمة، فلم تكتفِ بما فعلت، بل كلما رأت سلمى ناجحة أو محبوبة، عادت تغمز وتلمز، وكأن قلبها لا يعرف الطمأنينة. لكنها لم تدرك أن للظلم ساعة، وأن الله يُمهل ولا يهمل.


عدل الله لا يغيب

شاء الله أن يُظهر الحق بطريقة لا تخطر على بال أحد.
فاطمة كانت تملك مخزنًا للحبوب والمواد الغذائية، وكانت تُهمل في تنظيفه. تراكم الغبار والقاذورات، حتى فسدت بعض المؤن. وفي إحدى السنوات، انتشرت حُمّى غريبة في القرية بسبب أطعمة فاسدة خرجت من مخزنها.

اجتمع أهل القرية يبحثون عن السبب، ومع التحقيق، انكشف أن مصدر الفساد هو المخزن التابع لفاطمة. ضجّ الناس غضبًا، فقد خسروا جزءًا من مؤونتهم وتضرّرت تجارتهم. عندها بدأ الجميع يتذكّرون ما فعلته قبل سنوات حين لوّثت سمعة ابنة أخيها البريئة. فقال بعضهم:

"سبحان الله، كما شوّهت سمعة سلمى ظلمًا، شوّه الله سمعتها أمامنا جميعًا."

وهكذا تبدّل الحال؛ من كانت تتباهى بأنها أسقطت غيرها، سقطت هي في وحلٍ من الخزي والعار.


الندم والتوبة

جلست فاطمة وحيدة في بيتها بعد أن انصرف عنها الناس، لا يزورها أحد إلا القليل. تذكرت أيامها الماضية، وكل كلمةٍ كاذبةٍ خرجت من فمها. أحست بثقلٍ كبيرٍ على صدرها، كأن الجدران تُطبق عليها. لم تجد مخرجًا إلا أن ترفع يديها باكية:
"اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، واغفر لمن ظلمتهم."

في تلك اللحظة، جاءت سلمى تزورها مع أمها. لم تأتِ لتشمت، بل جاءت رحيمة، تُريد أن تطفئ نار الحقد بالدعاء. جلست بجانبها وقالت بصوتٍ خافت:

"يا عمتي، ما جرى قد مضى، والتوبة تمحو ما قبلها. أسأل الله أن يغفر لك ويرزقك الراحة."

انفجرت فاطمة بالبكاء، وشعرت أن قلبها يُغسل من الداخل. ومنذ ذلك اليوم، بدأت تغير سلوكها: اعتذرت لأهل القرية، وأصلحت مخزنها، وصارت تُكثر من الصدقة، علّ الله يبدل سيئاتها حسنات.

العبرة:

أن الحسد نارٌ تأكل قلب صاحبها قبل أن تؤذي غيره.

وأن المظلوم لا يضيع حقه عند الله.

وأن التوبة بابٌ مفتوح لكل من رجع بصدقٍ إلى الله.

ليبقى صدى القصة عبرةً لكل من سمعها: إياك وظلم الناس، فإن دعوة المظلوم تُرفع فوق السحاب، وليس بينها وبين الله حجاب.

الخاتمة:

مرت الأيام، واستعادت سلمى مكانتها بين الناس، بل صارت رمزًا للصبر والثبات. عرف الجميع أن الله يُمهل لكنه لا يُهمل، وأن المظلوم إذا رفع يديه للسماء فلن يُرد خائبًا.

أما فاطمة، فقد ذاقت مرارة الخزي، لكنها تعلمت أن الحسد لا يجلب لصاحبه إلا الهم والخسارة. عاشت بقية حياتها تلهج بالاستغفار وتطلب الصفح من ابنة أخيها ومن ربها.

image about الفتاة التي أنصفها الله
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

20

followings

11

followings

4

similar articles
-