
المعركة التي حسمها المطر ب أمر الله
المعركة التي حسمها المطر بأمر الله
شرارة البداية
في زمنٍ مضطرب، حين كانت القبائل تتنازع على المراعي والمياه، اجتمع جيشان في وادٍ ضيق تحيط به التلال من كل جانب. كان الوادي مكاناً خطيراً، فالأرض فيه رخوة، والسماء ملبدة بالغيوم منذ أيام، لكن القادة لم يعيروا ذلك اهتماماً.
قائد الجيش الأكبر كان مغروراً بكثرة رجاله وسلاحه، يتفاخر بأعداد الخيول والعربات الثقيلة التي جلبها معه. كان يعتقد أن النصر مضمون قبل أن تبدأ المعركة. أما القائد الآخر، فقد كان مؤمناً متواضعاً، يذكّر جنوده دائماً بأن النصر لا يُقاس بالعدد ولا بالعدة، بل بما يقدّره الله عز وجل.
ولم يكن أحد يعلم أن تلك المواجهة ستُسجَّل في التاريخ باسم المعركة التي حسمها المطر بأمر الله.
صراع محتدم
مع بزوغ الشمس، انطلقت صيحات الحرب، واصطدمت الخيول بالسيوف، وتعالت أصوات الطبول. تصاعد الغبار حتى غطّى السماء، وصارت الرؤية شبه معدومة. ساعات طويلة من القتال جعلت الوادي مسرحاً للدماء والعرق والصرخات.
الجيش الكبير بدا وكأنه يتفوق، فأسلحته أكثر، ورجاله يندفعون بلا توقف. ومع ذلك، لم يستسلم الطرف الأصغر، بل صمد بجأشٍ عجيب. كان كل مقاتل منهم يدرك أن هذه ليست معركة عادية، بل اختبار قاسٍ للإرادة والإيمان. القائد المؤمن ظل يرفع صوته بالتكبير والدعاء، مما زاد جنوده ثباتاً رغم قلة عددهم.
تدخّل السماء
وبينما اشتد القتال وبلغت النفوس غايتها من التعب، تغيّر وجه السماء فجأة. الغيوم السوداء تكاثفت بسرعة لم يرها أحد من قبل، والريح الباردة هبّت كإنذار شديد. ما هي إلا لحظات حتى هطلت الأمطار بغزارة، كأن السماء فتحت أبوابها دفعة واحدة.
تحول الوادي إلى مجرى سيول جارف. غرقت خيول العدو في الوحل، وانزلقت عرباتهم الثقيلة، فيما تشتت جنودهم الذين لم يجدوا مكاناً للنجاة. ارتفعت أصوات الذهول من كل مكان، وردد الجميع أن ما يحدث هو المعركة التي حسمها المطر بأمر الله.
انقلاب الموازين
في دقائق معدودة تبدل كل شيء. الجيش الأصغر الذي تحصّن في أرض مرتفعة نجا من خطر السيول، فزاد يقينه بالله. أما الجيش الأكبر فانهار سلاحه ورجاله مع تيار الماء، وغرقت قوته في الوحل كما تغرق الأوهام في الحقيقة.
لم يعد للغرور مكان. تلك القوة التي كان يتفاخر بها القائد المغرور صارت عبئاً عليه. السيوف انكسرت، العجلات تحطمت، والجنود تقاذفتهم المياه. عندها فهم الجميع أن السماء ليست صامتة، وأن النصر بيد الله وحده. كان المشهد مهيباً: عدو غارق في الوحل، وجيش مؤمن يرفع راياته شاكرًا. ولسان حال قائده يقول: لقد شهدنا اليوم بأعيننا المعركة التي حسمها المطر بأمر الله.
الدرس الباقي
بعد ذلك اليوم تغيّر التاريخ. لم تعد القبائل ترى أن النصر يُشترى بالسيوف ولا يُضمن بالعدد. صاروا يروون للأبناء والأحفاد أن السماء تدخلت لتحسم الصراع، وأن المطر لم يكن ماءً فقط، بل رسالة إلهية تحمل العبرة.
لقد كتب الرواة في سجلاتهم أن ذلك الوادي سيظل شاهداً على المعركة التي حسمها المطر بأمر الله، وأنه درس خالد للأجيال بأن القوة الحقيقية ليست في كثرة العدة، بل في صدق التوكل على الله.
ومنذ ذلك الحين، صار الناس كلما رأوا الغيوم تتجمع، تذكروا تلك الواقعة، وعرفوا أن السماء قد تغيّر مجرى التاريخ في لحظة واحدة، إذا شاء الله.