قصة "نور وسط الظلام"

قصة "نور وسط الظلام"

Rating 0 out of 5.
0 reviews

🌿 قصة "نور وسط الظلام"

في مدينة صغيرة تعيش مريم، فتاة في العشرين من عمرها، تحمل على كتفيها أثقالاً أكبر من عمرها. لم يكن بيتها يوماً مكاناً للسكينة، بل كان أشبه بساحة حرب لا تهدأ فيها الصراعات. والدها رجل غليظ القلب، يثور لأتفه الأسباب، ووالدتها مستنزفة القوى، تئن تحت الضغوط، لا تعرف كيف تحمي أبناءها ولا كيف تحمي نفسها.

كبرت مريم بين أصوات الصراخ، والدموع المخفية خلف جدران المنزل. ومع مرور الوقت، بدأت روحها تنكسر شيئاً فشيئاً. كانت تحاول أن تبدو قوية أمام إخوتها الصغار، لكنها في الداخل كانت تعيش انهياراً صامتاً.

كل يوم كانت تستيقظ وهي تشعر أن جزءاً منها قد مات. كل يوم كان يزداد خوفها من المستقبل، ويزداد وجعها من الحاضر. مشاعر متناقضة تنهش قلبها: حب لأمها المرهقة، غضب من أبيها الظالم، وحنين لطفولة لم تعرف فيها الطمأنينة.


🌙 لحظات الاكتئاب

في كثير من الليالي، كانت مريم تنزوي في غرفتها، تغلق الباب عليها وتبكي حتى تتعب عيناها. يزورها الاكتئاب بين حين وآخر مثل ضيف ثقيل، يجلس على صدرها ويمنعها من التنفس. كانت تسأل نفسها:
"لماذا خلقت في هذا البيت؟ لماذا أنا؟ لماذا لا أستطيع أن أعيش مثل باقي الفتيات؟"

أحياناً كان يخطر في بالها أن تهرب من كل شيء، أن تختفي بلا عودة. لكن في أعماقها كان هناك صوت خافت يذكرها أن الله يراها ويسمع أنينها. ذلك الصوت كان الأمل الوحيد الذي يمنعها من الانهيار التام.


🌿 أول بارقة نور

في أحد الأيام، جلست مريم مع جدتها العجوز، التي طالما كانت لها حضناً دافئاً. روت لها بعضاً من أوجاعها، فانهمرت دموع الجدة وهي تسمع. أمسكت بيدها وقالت:

"يا مريم، الدنيا دار ابتلاء، وكل ألم يعيشه المؤمن له أجر عند الله إن صبر. لكن لا تتركي الشيطان يقنعك أن حياتك بلا قيمة. تذكري قول الله تعالى:
﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:6].
لا يوجد ليل إلا ويتبعه فجر، فاصبري، واربطي قلبك بالله."

تلك الكلمات حفرت في قلبها أثراً لم تنسه. لأول مرة شعرت أن هناك نوراً صغيراً يتسلل وسط ظلامها.


🌸 البحث عن السكينة

بدأت مريم تقرأ القرآن كل يوم ولو صفحة واحدة. لم يكن الأمر سهلاً في البداية، لكنها شعرت مع الوقت أن قلبها يهدأ. كانت تجد نفسها في قصص الأنبياء، وكيف صبروا على البلاء. كل آية كانت بمثابة بلسم يخفف من جراحها.

في الصباح الباكر، اعتادت أن ترفع يديها بالدعاء:
"اللهم اجعل لي من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وارزقني السكينة يا الله."

ومع الدعاء، بدأت تلاحظ أن الاكتئاب لا يسيطر عليها كما كان في السابق. صحيح أنه ما زال يزورها، لكنه لم يعد يملك السلطة نفسها على قلبها.


🌹 صراع العائلة

مشاكل العائلة لم تنتهِ. الصراخ ما زال موجوداً، والضغوط لم تختفِ. لكن الفرق أن مريم تغيّرت. لم تعد تستسلم لكل موجة حزن، بل تعلمت أن تحتمي بالله.

كانت أحياناً تجلس مع إخوتها الصغار، تروي لهم قصصاً عن الصبر، وعن رحمة الله، وتحاول أن تبني لهم صورة مختلفة عن الحياة رغم واقعهم الصعب. أحبت أن تكون لهم السند الذي لم تجده هي من قبل.


🌺 لحظة إدراك

في إحدى الليالي المظلمة، بعد مشادة قوية بين والديها، جلست مريم تبكي بحرقة. لكنها فجأة تذكرت قول الله تعالى:

﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة:40].

مسحت دموعها وقالت في قلبها:
"الله معي، يكفيني أنه معي. قد يتركني الناس، قد لا أجد الراحة في عائلتي، لكنني لن أكون وحيدة ما دام الله يسمعني ويراني."

ذلك الإدراك غيّر نظرتها للحياة. لم تتغير الظروف، لكن قلبها أصبح أقوى.


🌿 بداية جديدة

قررت مريم أن تبحث عن طريقها الخاص. بدأت تكتب يومياتها، وتخرج ما في قلبها من ألم على الورق. وجدت أن الكتابة تشفيها. كما التحقت بدروس علم في المسجد، وتعرفت على فتيات صالحات قدّمن لها الدعم والرفقة الطيبة.

مع الوقت، صارت أكثر اتزاناً. لا تزال تائهة أحياناً، ولا تزال تتألم، لكنها لم تعد تموت من الداخل كما في السابق. تعلمت أن الألم طريق للنضج، وأن كل لحظة صبر ترفعها عند الله.


🌸 الخاتمة

قصّة مريم ليست نهاية سعيدة تقليدية، بل هي بداية رحلة جديدة. هي لا تزال في معركتها مع خوفها واكتئابها ومشاكل عائلتها، لكن الفرق أنها وجدت النور في قلبها.

تعلمت أن:

الله هو الملجأ الوحيد.

لا أحد يمكنه أن يسلبها إيمانها.

الألم قد يكون مفتاحاً لقربها من ربها.

وهكذا، صارت حياتها رغم كل الصعاب رسالة تقول:
"حتى لو متَّ كل يوم من الداخل، فإن ذكر الله يعيدك للحياة."

image about قصة
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

26

followings

12

followings

9

similar articles
-