تفسير وتدبر الآيات (1-5) من سورة الفجر

2025-10-05 13:04 PM

ا image about تفسير وتدبر الآيات (1-5) من سورة الفجر فتتحت سورة الفجر بأقسم إلهية عظيمة بمخلوقات كونية وزمنية، لتلفت الأنظار إلى أهمية هذه الأزمان والأشياء، ودلالتها على وحدانية الخالق وعظمته وقدرته على البعث والحساب، وهو المقسم عليه المحذوف الذي تفيده بقية السورة، لتُعزز الإيمان باليوم الآخر.

الآيات الخمس هي:{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)}

أولاً: التفسير المفصل والمعجزات

الآية	التفسير المفصل	المعجزات والإشارات العلمية
وَالْفَجْرِ (1)	أقسم الله تعالى بوقت الفجر، وهو أول النهار، أو فجر يوم النحر (يوم العيد)، أو الفجر المرئي عمومًا.	القسم بالوقت: يدل على عظمة هذا الوقت الذي ينتهي به ظلام الليل ويبدأ فيه نور النهار. فيه إشارة إلى نظام كوني دقيق لتتابع الليل والنهار، وإلى فكرة البعث والنشور، حيث يخرج الناس من سكون الليل إلى الحياة والسعي مع نور الفجر، تماماً كخروج الموتى من القبور.
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)	أقسم الله بعشر ليال. الرأي الراجح عند الجمهور من المفسرين هو أنها العشر الأوائل من ذي الحجة، لما ورد في فضل العمل الصالح فيها. وقيل: العشر الأواخر من رمضان، وقيل: العشر الأول من محرم.	التركيز على الأفضلية الزمنية: القسم بـ"ليال عشر" يشير إلى تميز هذه الفترة واحتوائها على فضائل عظيمة (كالحج ويوم عرفة). هذا التمييز يوجه الإنسان نحو استثمار الوقت في العبادة والطاعة.
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)	الشفع: هو الزوج (كالليل والنهار، الذكر والأنثى، السماء والأرض، أو يوم النحر)، والوتر: هو الفرد (كالله تعالى، ويوم عرفة، أو صلاة الوتر). وقيل: الشفع: جميع المخلوقات التي خلقها الله أزواجاً، والوتر: الله وحده.	الإشارة إلى قانون الزوجية في الخلق: كما في قوله تعالى: (\text{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}). وهي دعوة للتأمل في أن كل ما في الكون مقترن بغيره، إلا الله الواحد الأحد.
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)	أقسم بالليل إذا يمضي ويسير وينقضي، ليخلفه النهار، إشارة إلى تتابع الأزمان وتصرفها.	الإشارة إلى الحركة المستمرة: الليل في حالة "سريان" وانقضاء، وهذا يذكر بحقيقة زوال الدنيا وسرعة مرور الزمن، مما يحث على الاستفادة من اللحظات قبل فوات الأوان.
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)	استفهام للتقرير والتعظيم: أي، أليس فيما أقسمتُ به من هذه المخلوقات العظيمة قسم كافٍ لذي عقل سليم يمنعه عقله من ارتكاب ما لا ينبغي؟ (الحِجْر هنا بمعنى العقل واللب).	تكريم العقل: هذه الآية تضع العقل (الحِجْر) في مكانة عظيمة وتجعله مناط التكليف والفهم والتدبر، وتُقرر أن هذه الآقات الكونية تكفي دليلاً لمن يمتلك عقلاً سليماً.

ثانياً: سبب النزول

سورة الفجر هي سورة مكية، نزلت في الفترة الأولى للدعوة في مكة، وتُعنى بتهديد الكافرين المتمردين (كفار قريش) ببطش الله تعالى وعذابه، وتقرير الإيمان بالبعث واليوم الآخر.

الأقسام الخمسة الأولى (1-5): لم يرد سبب نزول خاص لهذه الآيات تحديداً.
المقصد العام للسورة: هو إنذار قريش بعذاب الآخرة، وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، بضرب الأمثال في هلاك الأمم السابقة (عاد، ثمود، فرعون) الذين اغتروا بقوتهم وسلطانهم، لتعلم قريش أن مصيرها سيكون كمصيرهم إذا استمرت في الطغيان والتكذيب.

ثالثاً: القواعد المستنبطة

1. القواعد الإدارية والاقتصادية:

إدارة الوقت (Foresight & Time Management): القسم بالفجر والليالي العشر والليل إذا يسر هو تأكيد على أهمية الوقت كأثمن مورد. الإشارة إلى "ليال عشر" تدعو إلى تخصيص أوقات الذروة (مواسم العبادة) لزيادة الإنتاج الروحي والعملي، كاستثمار هذه الأوقات لزيادة الأجر، وهو مفهوم "تحسين الموارد في أوقات الكفاءة".
الشفافية والوضوح (Clarity of Vision): الانتقال من الظلام إلى النور (الفجر) يمثل ضرورة الوضوح في الأهداف والرؤية، فالإدارة الحكيمة تبدأ مع انبلج الحق (الصبح) وانكشاف الأمور.
تحكيم العقل (Sound Judgment): (\text{لِّذِي حِجْرٍ}) تشير إلى أن العقل السليم هو الأساس لاتخاذ القرارات والقيادة الرشيدة. لا تقوم إدارة ولا اقتصاد على الجهل أو العناد.

2. القواعد الاجتماعية والتربوية:

الزوجية والتكامل (Partnership & Complementarity): القسم بالشفع والوتر يرسخ مفهوم التوازن والتكامل في الحياة والمجتمع. المجتمع السليم يقوم على الشراكة بين مكوناته المختلفة (رجلاً وامرأة، غنياً وفقيراً، حاكماً ومحكوماً).
التربية على اليقظة والنشاط: الدعوة إلى الاستيقاظ مع الفجر تربي الفرد على الانضباط وترك الكسل، وتحث على بدء اليوم في وقت البركة والنشاط.
التعقل والاتعاظ (Wisdom and Learning): الآية الخامسة هي قاعدة تربوية عليا، حيث تجعل العقل (الحِجْر) هو الأداة لفهم السنن الكونية والتاريخية، وضرورة التدبر في مصائر السابقين والتحذير من الغرور.

رابعاً: ربطها مع غيرها من الآيات والأحاديث

1. ربط الأقسام باليوم الآخر:

القسم بالفجر: يرتبط بآيات البعث، كقوله تعالى: (\text{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}) (التكوير: 18). فكما أن الله يُحيي الأرض بعد ظلام الليل، فهو قادر على إحياء الموتى.
القسم بالليل إذا يسر: يرتبط بآيات القسم بالليل الأخرى في جزء عمّ (مثل سورة الليل والضحى) لتأكيد أن الزمن دليل على قدرة الله على التصريف والجزاء.

2. ربط الليالي العشر بفضل العمل الصالح:

الآية (\text{وَلَيَالٍ عَشْرٍ}) تُفسر بالحديث الشريف: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر من ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء." (رواه البخاري). هذا يوضح القيمة الفائقة لهذا القسم.

3. ربط الشفع والوتر بالوحدانية:

القسم بالشفع والوتر يرتبط بقوله تعالى: (\text{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}) (الذاريات: 49)، ليؤكد أن كل ما في الكون مخلوق مزدوج، والغاية من ذلك هي التذكر بأن الواحد الأحد هو الخالق (الوتر) الذي ليس له مثيل.

خامساً: كيفية تطبيق هذه الآيات في حياتنا العملية

تطبيق هذه الآيات في الحياة اليومية يقوم على الوعي بالزمن وفاعلية العقل:

الاستيقاظ المبكر والإنتاجية: جعل صلاة الفجر وبدء العمل بعدها أساساً للبركة والإنتاجية، واغتنام أول ساعات النهار لما فيها من نشاط وتركيز.
اغتنام مواسم الخير: تخصيص فترة العشر من ذي الحجة (سنوياً) بزيادة العبادة والأعمال الصالحة والتصدق، وتطبيق هذا المبدأ على أي "ليالٍ عشر" (فترة زمنية مميزة) لتحقيق أهداف روحية أو مهنية.
التوازن والعدل: تطبيق مبدأ "الشفع والوتر" في الحياة، بالسعي نحو التوازن بين العمل والأسرة، والعبادة والدنيا. والتذكر بأن الله فرد واحد (وتر)، يمنع من الشرك والتعلق بغيره.
التدبر واتخاذ القرار: استخدام "الحِجْر" (العقل) في تحليل المشاكل واتخاذ القرارات، وعدم الانسياق وراء الأهواء أو العواطف، بل التدبر في العواقب والاتعاظ من التجارب السابقة (كما ذُكر في الآيات اللاحقة من السورة).