سكينة القلب، فضل الأذكار

سكينة القلب، فضل الأذكار

Rating 5 out of 5.
1 reviews

سكينة القلبimage about سكينة القلب، فضل الأذكار

كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين جلست ليلى على شرفتها القديمة، تتأمل صمت المدينة وهي تشعر أن الدنيا كلها تبتعد عنها شيئًا فشيئًا.

لم تكن ليلى امرأة ضعيفة، لكنها كانت مرهقة. فقدت والدها قبل عام، وتراكمت عليها مسؤوليات العمل والمنزل، حتى صار كل يوم يشبه الآخر: صراع جديد مع القلق والتعب.

قالت لنفسها بصوت منخفض: لم أعد أشعر بالراحة… قلبي دائمًا مضطرب.

مرت أيامها متعبة لا تجد فيها طمأنينة. تحاول أن تلهي نفسها بالموسيقى أو الهاتف أو العمل، لكنها في النهاية تعود إلى ذات الشعور الثقيل.

في أحد الأيام، وبينما كانت في طريقها إلى العمل، جلست بجوار امرأة مسنّة في الحافلة. كانت العجوز تمسك مسبحتها وتتمتم بشفتيها في هدوء. لفت انتباه ليلى ذلك الصفاء في وجهها، فابتسمت وسألتها برفق:

> “ماذا تقولين يا خالة؟”

أجابت العجوز بابتسامة مطمئنة:

 “أذكر الله يا ابنتي… أقول: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر.”

توقفت ليلى لحظة، وكأن الكلمات وجدت طريقها إلى قلبها. سألتها بفضول:

 “وهل تشعرين بالراحة عندما تذكرين الله؟”

ضحكت العجوز وقالت:

> “يا ابنتي، الذكر حياة للقلب. من جربه لا يستطيع تركه، ومن تركه ضاع في زحام الدنيا.”

لم تنسَ ليلى تلك الجملة طوال اليوم. في المساء، فتحت المصحف، وبدأت تقرأ آية سمعتها من قبل لكنها لم تتأملها حقًا:

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}**

شعرت وكأن الآية نزلت لتخاطبها وحدها. وضعت المصحف أمامها، وأغمضت عينيها، ورددت بخفوت:

سبحان الله… الحمد لله… لا إله إلا الله… الله أكبر.”

كانت المرة الأولى التي تذكر الله بصدق، لا بلسانٍ غافل، بل بقلبٍ يبحث عن ملجأ.

وفي تلك اللحظة، أحست بشيء لم تعرفه من قبل… هدوء عجيب يغمر صدرها كنسمة باردة في حرّ الصيف. 

التحوّل

منذ تلك الليلة، بدأت ليلى عادة جديدة. بعد الفجر تجلس دقائق تذكر الله، وتدعو:

اللهم اجعل يومي خيرًا من أمسي، وقرّبني إليك يا رب.”

كانت تكتب أحيانًا في دفترها الأدعية التي تسمعها من والدتها أو من البرامج الدينية، مثل:

 “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل.”

 “اللهم اجعل قلبي عامرًا بذكرك.”

تغيّر كل شيء في حياتها تدريجيًا. لم تعد تتضايق من الزحام في الطريق، ولا من ضغط العمل، بل كانت تردد في نفسها:

 “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.”

وصارت تشعر أن الدعاء لم يعد كلمات، بل طاقة نور تحيط بها أينما ذهبت.

الابتلاء

لكن الله أراد أن يختبرها. بعد شهور قليلة، مرضت والدتها مرضًا شديدًا استدعى دخول المستشفى. عاشت ليلى أيامًا صعبة، ساهرة تبكي بجوار السرير، تشعر أن الأرض تهتز تحتها.

وفي إحدى الليالي، بينما كانت والدتها في العناية المركزة، جلست ليلى في ممر المستشفى وحدها، والدموع تملأ عينيها، ورفعت يديها إلى السماء وقالت:

 “يا الله… لا أملك إلا الدعاء، أنت الشافي، أنت الرحيم، إنك على كل شيء قدير.”

كررت الدعاء مرات كثيرة، وكل مرة كان قلبها يهدأ أكثر. شعرت أن الخوف بدأ يذوب، وأن هناك من يسمعها ويرعاها.

بعد أيام، تحسنت حالة والدتها بشكل مفاجئ. قال الأطباء إن تعافيها سريع وغير متوقع، أما ليلى فكانت تبكي شكرًا لله، وتردد:

“اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.”

 ثمار الذكر

مرت الشهور، وشعرت ليلى أنها أصبحت إنسانة جديدة. تغير وجهها، ونظرتها للحياة. كانت تقول لصديقتها يومًا:

“تعرفين ما الذي علّمني إياه الذكر؟ علّمني أن السكينة لا تأتي من الخارج، بل من الداخل… من قلب يثق بربه.”

بدأت تشارك في حلقات ذكر في المسجد القريب من منزلها، تجلس بين نساء بسيطات يرددن الأذكار بخشوع. كانت تشعر أن كل تسبيحة تمحو تعبًا قديمًا من روحها.

وكلما سمعت مؤذن الفجر يقول “الصلاة خير من النوم”، كانت تشعر بنداء خاص يدعوها إلى لقاء الله، فتقوم وتصلي، ثم تجلس بعد الصلاة تدعو وتسبّح حتى تطلع الشمس.

كانت تقول دائمًا:

“من ذاق حلاوة القرب، لا يستطيع العودة إلى الغفلة.”

 الرسالة الأخيرة

ذات يوم، تلقت ليلى رسالة من صديقتها القديمة “سمر”، التي كانت تمرّ بضائقة شديدة. كتبت لها:

“ليلى، كيف أتحمّل كل هذا؟ أشعر أني وحدي في هذه الدنيا.”

ابتسمت ليلى، وجلست تكتب جوابها الطويل:

 “يا سمر، كنت مثلك تمامًا، أبحث عن راحة في الدنيا، فلم أجدها إلا حين عرفت طريق الذكر والدعاء. عندما تذكرين الله، أنتِ لا تتحدثين إلى الفراغ، بل إلى من يسمعك ويراك ويعلم ضعفك.

> قولي دائمًا: يا رب، إني أحتاج إليك، فقربني ولا تتركني لنفسي.

> واعلمي أن الدعاء لا يغير القدر فقط، بل يغير القلب أيضًا.”

ثم ختمت رسالتها بآية تحبها كثيرًا:

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}

السكينة التي لا تزول

مرت سنوات، وليلى ما زالت على عهدها مع الذكر. لم تعد تخاف الغد، ولم تعد تندم على الماضي. تعلمت أن الإنسان حين يملأ يومه بالأذكار والأدعية، يعيش في حصن من الطمأنينة لا تهدمه هموم الدنيا.

كانت تقول لكل من يقابلها:

 “الذكر ليس عادة، بل حياة. الدعاء ليس ترفًا، بل نجاة.”

وفي كل صباح، حين تطل الشمس من وراء المآذن، تبتسم ليلى وتقول:

 “اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر.”

ثم تنظر إلى السماء مطمئنة القلب، وقد وجدت ما كانت تبحث عنه طويلًا… سكينة لا تنتهي، لأنها من عند الله.

الرسالة:الأذكار والأدعية ليست مجرد ترديد، بل علاج حقيقي للقلب والروح

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

2

followings

3

similar articles
-