وقفـات مـع قـدوم شهـر شعبان

وقفـات مـع قـدوم شهـر شعبان

0 المراجعات

وقفـات مـع قـدوم شهـر شعبان
أمّا بعد ايهـا الأحبـاب الكــرام :       
إنّ من نعَمِ اللهِ على عبادهِ أنْ جعلَ لهم مواسمَ
للخيرِ، فيها يزيدون من أعمالهم، وفيها يتقربون لخالقهم ومولاهم ..
ولقد روى الامامُ الطبراني من حديث محمد بن مسلمةَ الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رســول الله صلى الله عليه وســلم:" إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا فَلَا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا "
ولقد اظلنّا يا كـرام بعضٌ من هذهِ النفحات ..!
ودخل علينا بعضٌ من هذه البركات ..!!
ولعل احد هذه النفحات والبركات والخيرات 
( شهر شعبان الفضيل )..
ولأننا وكما تعرفون لازلنا بصحبة ومعية سلسلتنا المنبرية سلسلة ثلاثيات سأقف معكم اليوم وفي مع ثلاثِ سماتٍ ومزايا تميّز بها شهرُ شعبان المبارك ..
فهيا بنا وعلى جناحِ السرعة لنتعرف سوياً على هذه الثلاث المزايا والسمات التي تميّزَ بها شهر شعبان.!

أمّا الميزةُ الأولى والسمةُ الاولى فهي :
(( أنّ شهرُ شعبان هو شهرُ الإستعداد )) 
شهرُ التهيئة ..! شهرُ التدريب .! شهرُ التمرين ..!
شهرُ التمهيد ..!! شهرُ التوطئة ..! شهرُ التأهيل التربوي والإيماني .! وشهرُ الترويض الرباني والتعبدي ..!
وعلى المسلم انْ يجعل من هذا الشهر دورةً تأهيليةً لرمضان ..!
فيحرصُ فيه على الإكثارِ من قراءةِ القرآن..
ويحرصُ فيه على الصدقةِ والبذل ..
ويحرصُ فيه على إطعامِ الجوعى ..
ويحرصُ فيه على مدِّ يدِ العون والمساعدة ..
ويحرصُ فيه كذلك على كثرةِ الصيام ..

ويجعل هذا الشهر الذي يغفُلُ عنه كثيرٌ من النّاس بمثابةِ دفعة قوية، وحركةً تأهيلية لمزيدٍ من الطاعةِ والخير والبِرِ في رمضان ..
حتى إذا ما دخل عليه رمضان كان أكثرَ النّاس اقبالاً، وكان اكثر النّاس تعبداً، واكثر النّاس طاعةً، واكثر النّاسِ نشاطاً، وأكثرهم حماساً وروحانية، وأكثرهم حرصاً على طرقِ ابواب الخير جميعُها.

أمّا إذا هجمنا على رمضان بلا استعداد، وبلا تهيؤ وبلا تدريبٍ او ترويضٍ !!! 
سنستقبل أيامه بعد ذلك بمللِ نفس، وبضيقِ صدر، وبِقِلَّةٍ في الطاعات، وكسلٍ في العبادات ..!
ولا نزالُ نُمنّي انفسنا حتى نخرج من هذا الشهر.

ولذلك كانت توطئةُ النّفسِ لقبولِ أمرِ اللهِ عزوجل من أعظم الأمور، وهل جلسنا يومًا لنحاسبَ النفس كم قدّمت؟ وكم قرَبت من طاعات ؟ وكم فرطت في معاصيٍ وبلياتٍ ومنكرات ؟                                   
           ما فعلنا هذا ؟؟!
إذ لو أنّنا فعلنا هذا لتغير الحال ..!
لأن كلَّ عاقل لا يبحث إلاّ عن ما ينفعه، ولا يفرُّ إلاّ ممّا يضره، فرأينا أنفسنا حينها : كُسَالَى عن العبادات، وكُسَالَى عن الطاعات.!
لا نأتي الصلاة إلاّ دِبارًا، وقَلَّ من يتفطنُ للصفِ الأول، وقَلَّ من يأتي عند الأذان .!!

بل نرى في باقي الطاعات وعظيمِ القربات : 
كم أدينا من نوافل؟ وكم قمنا وأدينا من مسنونات؟ 
لكن في أمرِ الدنيا الفانية، وفي أمر الحياة الزائلة 
نرى العكس من هذا كله :-
- فكم من تاجرٍ يموتُ كمدًا أو يعيشُ بحسرةٍ حينما يرى جاره من التجارِ أعلى منه ربحًا ومكسبًا .!!
- وصاحبُ الأموال يموت كمدًا إن بارت تجارته أو خسر ماله ..!
 لأنه عاقل يحسبها بحسابٍ كما يقال : بالقلم والورقة، عند الربح يفرح، وعند الخسارةِ يحزن.!
               وفي ماذا !!؟  
في أمرٍ تافة، وفي عرضٍ من الدنيا قليل، إلى أن يأتيه أمرُ الخروج الإجباري  : 
{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}. [ق].
 ذهبَ الحزنُ كله مع أول سكرةٍ ومع أول خروجٍ للروح، فلا يحزنهم الفزع، بمجرد أن تخرج الروح إلى روحٍ وريحان.  
ولهذا العقلاءُ هم الذين يجمعون القلب، ويجمعون النفس، ويهيئون الأمر للسيرِ إلى الله عزوجل ليكون عندها قولهم :
{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ }..فاطر : 34 : 35

ولأجلِ ذلك شعبان دورةٌ تأهيليةٌ لصيامِ رمضان؛ 
حتى لا ندخل في صوم رمضان على مشقةٍ وكلفة،
بل نكونُ قد تمرنّا على الصيام واعتدناه،  ووجدنا في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فندخل في صيامِ رمضان بقوةٍ ونشاطٍ وروحانيه ..

احبتي الكــرام :                                        
أمّا الميزةُ الثــانية من مزايا وسمات شهر شعبان :
(( أنّ شهـر شعبان شهرٌ  يغفُلُ النّاس عنه ))
وذلك بنص قول الحبيب صلى الله عليه وسلم من حديث اسامه بن زيد الذي رواه النسائي قال :
(ذلك شهرٌ يغفُلُ النّاس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين؛ فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم) ..
وسببُ غفلةِ النّاس عنه كماقيل :-
لان شعبان يأتي بعد شهر رجب، والنّاس ينشغلون برجب وبفضائله وصيامه وقيامه وبعض الطقوس التى لم يثبت ايُّ نص صريح من حديث او غيره يثبت افضلية هذا الشهر ومع ذلك ينشغل النّاس به في أول حلوله..
وإذا ما أتى شعبان انشغل النّاس عنه لرمضان والأعداد له وقد يؤخرون مايريدوا ان يجتهدوا به الى رمضان..
ولذا ينشغل النّاس ويهتموا برجب ورمضان ويغفُلُوا عن شعبان وفضائله وميزاته ..
ولهذا يقول الرسول الكريم :                          
( ذلك شهرٌ يغفُلُ النّاس عنه )
كأنَّه أرادَ أن يقولَ لكلِّ مسلمٍ:
 يا مسلم، لا ينبغي لك أن تغفُلَ عن الله حينَ يغفُلُ النّاس، بل لا بُدَّ أن تكونَ مُتيقظًا لربِّك سبحانه وتعالى غيْر غافلٍ ..
- فأنت المقبلُ حالَ فِرارِ النّاس..
- وأنت المتصدِّقُ حال بُخْلِهم وحِرْصهم..
- وأنت القائمُ حالَ نومِهم..
- وأنت الذاكرُ لله حالَ بُعْدِهم وغَفْلَتِهم..
- وانت صاحبُ الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة والكلمات الطيبة في حال ساءت أخلاقهم، وتغيرت طباعهم، واختلفت ألفاظهم، وتعكرّت امزجتهم..
- وأنت المحافظُ على صلاتك حالَ إضاعتهم لها.

نعم إنّ نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم يريد من خلال كلامِه: أن ينبِّهَ المرءُ المسلّم إلى أهميَّةِ عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة فيكونُ الصائم حين يُفطِرُ النّاس.
- ويكون القائم حين ينامُ النّاس.
- ويكون المتقدم حين يُحجمُ النّاس.
-ويكون القارئ المرتل حين يهجرُ النّاس .
- ويكون المبارد والمسارع حين يتأخر النّاس .
- ويكون الذاكر  المسبح المستغفر حين يغفْلُ النّاس.
وهذا ما كان يفعلُه سلفُنا الصالح: فلقد كانوا يستحبون إحياءَ ما بيْن العِشَاءَين بالصلاة، ويقولون:
(هي ساعة يغفُل النّاسُ عن طاعةِ الله.)
- وفي الثلثِ الآخر من الليل والنّاس على الاسرّة نائمون وعلى الفرش مضطجعون وهم بين يديّ ربهم راكعون ساجدون :
( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) السجدة :6

بل إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ الثوابَ العظيم الذي جعلَه الله لمن يذكره في مواطنِ غفلة النّاس، ومن المواطن التي يغفُل النّاسُ فيها عن ذِكْر الله  (موطن السوق)..
واسْمعْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول كما روى ذلك الحاكم في المستدرك على الصحيحين "مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقال: لا إله إلاَّ الله وَحْدَه لا شَريكَ له، له المُلْكُ وله الحمْد، يُحْيِي ويُمِيت وهو حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِه الخَيْرُ وهو على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  كَتبَ الله له ألفَ ألْف حسنَةٍ، ومَحَا عنْه ألْفَ ألْف سيِّئةٍ، ورَفَعَ له ألْفَ ألْف درَجَة".
وفي رواية:
«وبَنَى له بَيْتًا في الجنّةِ».
ولأن شهر شعبان شهرٌ ترفع فيه الاعمال وشهرٌ يغفُلُ النّاس عنه كان نبينا صلى الله عليه وسلم يُكثر من صيامه ..                                                  
 فكما جاء للبخاري تقول أمُّ المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ " .
وللترمذي عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
"مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ "..
وهو القائل عليه الصلاة والسلام كما سبق
"وأحبُ أن يرفعَ عملي وأنا صائم "
وهذا الكلام يُظهر حالته صلى الله عليه وسلم في شعبان ..
وهو قمةُ الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يراه الله إلاّ صائماً.!
وهذا هو أهمُّ ما يجِبُ أن يشغلك أخي المسلم، أن تستحي من نظرِ الله إليك ..!
تستحي من نظره لطاعاتٍ قدمتها امتلأت بالتقصير..!    
ولذلك قال بعض السلف :                      
" إمّا أن تصلي صلاةً تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك "..
وتستحي من أوقاتٍ قضيتها في غير ذكرٍ لله .. 
وتستحي من أعمالٍ لم تخدم بها دينه ودعوته .. 
وتستحي من هممٍ وطاقاتٍ وإمكانياتٍ وقدراتٍ
لم تستنفذها في نصرةِ دينه وإعزازِ شريعته .. 
وتستحي من قلمٍ وفكرٍ لم تسخره لنشرِ رسالة الإسلام والرد عنه ..
وتستحي من أموالٍ ونعمٍ بخلت بها عن دعوة الله .. 
وتستحي من كل ما كتبتْهُ الملائكة في صحيفتك من تقاعسٍ وتقصير ..
وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءآتٍ وعورات ..
كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشيةِ منه .
(إنّ الذيِن يخشونَ ربهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير ) الملك 12

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفروا الله لي ولكم فاستغفروه ويافوز المستغفرين ..

الخطبة الثانية :                                    
 أمّا بعد :
شهرُ شعبان شهرٌ شريفٌ ومبارك، وإنّما سمّي
" شعبان " لتشعب الخيرات فيه كما قيل ..
وقيل لتشعب القبائل في الحروب والغارات..
تناولنا في الخطبة الاولى مزيتان لشهرِ شعبان وهي
اولاً أنّ شهر شعبان هو شهرُ الاستعداد والتهيئة.
ثانياً أنّ شهـر شعبان شهرٌ يغفُلُ النّاس عنه ..
أمّا الميزةُ الثالثة فهي :
(( أنّ شهرُ شعبان شهرُ السقي واستغلالُ الفرص الثمينة )).
شهرُ التعهد، شهرُ التفقدِ لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده..
يقول أبو بكر البلخي :
" شهرُ رجب شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان شهرُ سقي الزرع، وشهرُ رمضان شهرُ حصادِ الزرع " .
وقال أيضاً :
" مثلُ شهرِ رجب كالريح، ومثلُ شعبان مثل الغيم، ومثلُ رمضان مثل المطر ".
 ومن لم يزرع ويغرسْ في رجب، ولم يسقِ في شعبان فكيف يريدُ أن يحصدَ في رمضان ..

ولذلك كان تسابقُ السلف الصالح على هذا المضمار  واضحاً، يقول سلمة بن كهيل :
كان يُقال شهرُ شعبان شهرُ القراء ..

وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال :
هذا شهرُ القراء ..

وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءةِ القرآن ..

فعلى المسلّم في شهر شعبان أن يتفقد زرعه ويتعهده بالسقي حتى لا يُصابَ بالجفاف..

كما على المسلّم الفطن أن تكون له أساليب مختلفة ومتعددة في التعاملِ السليم مع شهر شعبان الفضيل  :
فتارةً يصوم، وتارةً يُصلي النوافل، وتارةً يدعو، وتارةً يقرأ القُرآن، وتارةً يتصدق، وتارةً يسبح ويستغفر،
وتارةً يصلُ رحمه، يساعد هذا، ويخدم ذاك، ويُفرّج عن تلك ..
لايفوتُ عملَ خيرٍ ابداً، يتصيد طرق الخير، ويجني الحسنات، ويرفع نفسه درجاتٍ ودرجات ..
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا اللهم رمضان ..
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أتم الصحةِ والعافيه..
اللهم بلغنا رمضان ونحن في امنٍ وآمانْ وسلمٍ وسلامٍ، وراحةٍ واطمئنان ..
بلغنا اللهم رمضان سالمين غانمين لا فاقدين ولامفقودين ..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحةِ بقدسه وثلّثَ به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

22

متابعين

5

متابعهم

0

مقالات مشابة