تفسير القرآن الكريم-خواطر  الدكتور مصطفي صيام حول سورة البقرة الآيات(14-18)

تفسير القرآن الكريم-خواطر الدكتور مصطفي صيام حول سورة البقرة الآيات(14-18)

0 reviews

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)سورة البقرة

يقول الحق سبحانه وتعالي :إن هؤلاء المُنافقين إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم قالوا لهم : نحن مؤمنين بقلوبنا بما أُنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مثلكم تماماً ، وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ، أي وإذا إنفرد المنافقون برءوس النفاق فيهم، وأصحاب الأمر والتدبير عندهم، قالوا لهم : إنا معكم على طريقتكم وعملكم، وأن ما تحدثنا به لأصحاب محمد ، كان إستخفافاً بهم وإستهزاءً، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ، أي أن الله هو الذي سيتولي مُقابلة سُوء صنيعهم، بفضحهم في الدنيا، وإنزال الهوان والحقارة بهم، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، أي أن الله قد عَلِمَ أزلاً أن هؤلاء المنافقين سيُصرون علي نِفاقهم، وأنهم سيموتون علي كفرهم، فاستحقوا الطرد من رحمة الله، سيختم الله على قلوبهم بحيث لا يدخلها الإيمان، ولا يخرج منها الكفر، وسيتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل والضلال ، أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، أي أن أولئك قد باعوا آخرتهم بدُنياهم ، فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ،أي إنهم لم يجنوا من نفاقهم ألا الفضيحة والهوان في الدنيا، والعذاب الاليم في الدرك الأسفل من النار في الآخرة، ثم يقول الحق سبحانه وتعالي: لقد ظلم المنافقون أنفسهم ، لأنهم لم يكونوا مُهْتَدِينَ، أي لم يكونوا راشدين في إختيارهم النفاق منهجاً لحياتهم .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)سورة البقرة

تُضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى ، وعرض الغائب فى صورة الشاهد، فيكون المعنى الذى ضُرب له المثل، أوقع فى القلوب، وأثبت فى النفوس، واللهُ يضرب الأمثال للناس لعلهم يتفكرون ، والمنافقون أناس من أهل المدينة، لم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، عند هجرته إلي المدينة المنورة، ولكن الأمر اختلف بعد ذلك ،فقد هرع المنافقون إلي الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد إنتصاره في معركة بدر، ونطقوا الشهادتين، خوفاً ومُخادعةً، يخافون أن يكونوا منبوذين في المدينة المنورة ، ويُريدون أن ينالوا الحظوظ من المغانم، ويُريدون أن يطلعوا على أسرار المسلمين، فينقلوها إلى الكفار ،هكذا اشتري هؤلاء المنافقون الضلالة بالهدى، وباعوا آخرتهم بدنياهم ، فصارت بصائرهم مطموسة بسبب إصرارهم علي النفاق ، فاستحقوا أن يختم الله علي قلوبهم ، ويتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل والضلال، وفي الآيات الكريمة يُشبه الحق سبحانه وتعالي المنافقين بقوم كانوا يسيرون فى ليل شَديد الظُّلْمَةِ، فجاءهم رجلٌ ،فاستوقد لهم ناراً، ليهتدوا بضوئها، فلما أنارت ما حولهم من الأشياء ، أغمض بعض القوم أعينهم أمام هذا الضوء الباهر، فحجز الله سبحانه وتعالي عنهم النور، وأخذ على أبصارهم، فلم يروا النور الذي يملأ الوجود من حولهم، ولم يعرفوا وجهة الطريق الذي يسلكون، فركبتهم الحيرة، وقيدهم العمى والضلال ، ذلك هو النور الذى بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم لتلك الأمة ، فتفتحت له البصائر المستنيرة ، لكنه لم يوافق أهواء المنافقين الذين ألفوا العيش فى ظلام الجاهلية، ثم يصف الحق سبحانه وتعالي المنافقين قائلاً : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، لأنهم وإن كانت لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأعين تُبصر، إلا أنهم لشدة تمسكهم بالعناد، وإعراضهم عما يَطرق سمعهم من القرآن وما يُظهره الرسول من الأدلة والآيات، صاروا كمَنْ هو أصم في الحقيقة، فلا يسمع، والذي لا يسمع لا يتمكن من الجواب، فلذلك فهو بمنزلة الأبكم، وإذا لم ينتفع بالأدلة ولم يُبصر طريق الرشد فهو بمنزلة الأعمى، وفي قول الحق سبحانه وتعالي: فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، إشارة إلي أن الله قد صرف عنهم عنايته، ووكلهم إلى أنفسهم، فلن يعودوا إلى الهدى بعد أن باعوه، ولن يرجعوا عن الضلالة بعد أن اشتروها.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

11

followers

1

followings

1

similar articles