قصه النبي يوسف عليه السلام كما لم تعرفها من قبل
-قصة سيدنا يوسف عليه السلام-
يوسف بن يعقوب عليهما السلام نبي ابن نبي
، كان أصغر أبناء يعقوب عليه السلام وأحبهم إليه. كان يعقوب عليه السلام نبيًا صالحًا، وكان يوسف يتمتع بصفات مميزة وبريئة جعلت والده يحبه حبًا شديدًا.
هذا الحب أثار غيرة إخوته الأكبر منه، فخططوا للتخلص منه. في إحدى الليالي، رأى يوسف رؤيا غريبة، حيث رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له.
قص يوسف عليه السلام رؤياه على والده النبي يعقوب ، الذي أدرك أن هذه الرؤيا تحمل دلالات كبيرة وطلب منه ألا يقصها على إخوته خوفًا من أن يزدادوا غيرةً وحقدًا وتظهر عداوه بين النبي يوسف وأخوته.
قال تعالي ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾
[ يوسف: 5]
مع مرور الوقت والايام
تفاقمت غيرة إخوه يوسف حتى قرروا التخلص منه.
استغلوا فرصة عندما طلبوا من والدهم السماح لهم بأخذ يوسف في نزهة معهم ، وبعد تردد وافق يعقوب عليه السلام بشرط أن يحافظوا عليه.
يوسف عليه السلام واخوته معا لكنهم كانوا قد خططوا لقتله ثم استقرت علي رميه في بئر مهجور.
وعندما عادوا إلى والدهم، جاؤوا بقميص يوسف ملطخًا بدم كاذب، وادعوا أن الذئب قد أكله. بكى يعقوب بكاءً مريرًا على فراق يوسف،
لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن ابنه لم يمت وأن هناك تدبيرًا إلهيًا وراء هذه الأحداث.
قال تعالي ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾
[ يوسف: 18]
وظل يوسف عليه السلام في البئر بحفظ الله ولم يمت الي ان اراد الله عز وجل اانقاذه
مرت قافلة تجارية بالبئر ووجدت يوسف، فأنقذوه وباعوه كعبد في سوق مصر.
قال تعالي ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾
[ يوسف: 20]
اشتراه العزيز، أحد كبار رجال الدولة في مصر، وأوصى زوجته بأن تعتني به،
وقال: "عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا".
كبر يوسف في بيت العزيز وأصبح شابًا جميل الخلقة وذكيًا.
ولكن حدثت حادثه قلبت الموازين
واجه يوسف امتحانًا صعبًا عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه، يوسف عليه السلام وزليخا تراوده وأغلقت الأبواب وقالت: "هَيْتَ لَكَ". لكن يوسف استعصم بالله ورفض الخيانة، وقال: "مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ".
استمرت امرأة العزيز في محاولاتها،
قال تعالي _- (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)
وعندما فشلت اتهمته زورًا بمحاولة الاعتداء عليها. أودع يوسف السجن ظلمًا، لكن الله كان معه ووفقه في السجن.
يوسف عليه السلام في السجن
في السجن، عرف يوسف بسيرته الحسنة وصدقه. كان معه في السجن ساقي الملك وخبازه، ورأى كل منهما رؤيا وطلبا من يوسف تفسيرها. فسر يوسف لهما الرؤى بدقة، حيث أخبر الساقي بأنه سيخرج من السجن ويعود إلى عمله، وأخبر الخباز بأنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه. تحقق تفسير يوسف للرؤى، وطلب من الساقي أن يذكره للملك عندما يخرج، لكن الساقي نسيه.
قال تعالي (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)
الفرج:
بعد سنوات، رأى الملك رؤيا غريبة عجز المفسرون عن تفسيرها. تذكر الساقي يوسف وأخبر الملك عنه. استدعى الملك يوسف، فسر الرؤيا بأنها تشير إلى سبع سنوات من الرخاء يعقبها سبع سنوات من الجفاف، وأوصى بجمع الحبوب خلال سنوات الرخاء لتخزينها للسنوات العجاف. أُعجب الملك بحكمة يوسف وصدقه، فأطلق سراحه وجعله مسؤولًا عن خزائن مصر.
قال تعالي( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)
أصبح يوسف عليه السلام وزيرًا للاقتصاد في مصر بعد ان طلب ذلك
قال تعالي(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
، وبدأ بتنفيذ خطة اقتصادية محكمة لمواجهة سنوات الجفاف. بنى صوامع لتخزين الحبوب ووضع نظامًا دقيقًا لإدارة الموارد. عندما جاءت سنوات الجفاف، كانت مصر مستعدة تمامًا، وأصبحت مركزًا لتوزيع الغذاء للمنطقة بأكملها.
مع مرور السنوات وفي
خلال سنوات الجفاف، جاء إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر لطلب المساعدة. لم يتعرفوا على يوسف، لكنه تعرف عليهم فورًا. عاملهم بلطف وكرم، لكن دون أن يكشف عن هويته. طلب منهم أن يحضروا أخاهم الأصغر بنيامين في المرة القادمة كشرط للحصول على المزيد من الطعام. عند عودتهم إلى مصر، دبر يوسف خطة للاحتفاظ ببنيامين معه، حيث وضع الكأس الملكية في رحل بنيامين واتهمه بالسرقة. اعترف إخوة يوسف عليه السلام بذنبهم السابق تجاهه وطلبوا منه الرحمة.
عندما رأى يوسف صدق توبتهم وتأثرهم العميق، كشف لهم عن هويته قائلاً: "أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي". اندهشوا وندموا على ما فعلوه، لكن يوسف طمأنهم وعفا عنهم قائلاً: "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ".
طلب يوسف عليه السلام من إخوته أن يحضروا والدهم يعقوب إلى مصر. عندما علم يعقوب بأن يوسف عليه السلام لا يزال حيًا، سجد شكرًا لله. اجتمعت العائلة في مصر، وعاشوا في سلام وسعادة. تحقق حلم يوسف الذي رآه في صغره، حيث سجد له أبواه وإخوته تعبيرًا عن الاحترام والتقدير.
ما يستفاد من القصه
قصة يوسف عليه السلام مليئة بالدروس والعبر. أولها هو أهمية الصبر والإيمان بقضاء الله وقدره. يوسف تحمل الكثير من المحن والشدائد، لكن إيمانه بالله وثقته في حكمته جعلته يصبر ويستمر في فعل الخير. ثانيها هو العفو والتسامح، حيث عفا يوسف عن إخوته على الرغم من الأذى الكبير الذي تسببوا له فيه. ثالثها هو أهمية الحكمة في إدارة الأمور، فقد أظهر يوسف حكمة فائقة في إدارة موارد مصر خلال سنوات الرخاء والجفاف.
ختامًا، قصة يوسف عليه السلام هي نموذج رائع للصبر والتوكل على الله، وتعلمنا أن الإنسان يجب أن يظل متمسكًا بالأخلاق الحميدة والإيمان القوي في جميع الظروف، وأن يثق في حكمة الله وعدله.