سر المواجهه بين حماله الحطب والنبي عليه الصلاه والسلام
### حمالة الحطب: قصة وعبرة
عندما سمعت زوجة أبي لهب، الملقبة بـ "حمالة الحطب"، أن الناس في مكة ينادونها بهذا الاسم، هرعت مسرعة نحو الكعبة. لماذا أطلق الله عليها هذا اللقب؟ يكمن الجواب في ثلاث صفات رئيسية كانت تتميز بها:
1. كانت تحتطب: أي تجمع الخشب وتحمله، وذلك من شدة بخلها ودناءة نفسها، إذ كانت تفضل جمع المال بأي وسيلة.
2. كانت تجمع الشوك والحسك: أثناء جمعها للخشب، كانت تحتفظ بالشوك والحسك وتلقي بهما أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو في الطريق الذي يسير عليه.
3. كانت تشعل الفتنة: كانت تثير الفتن وتنقلها من دار إلى دار، وتتحدث بالسوء عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما كان يؤذي رسول الله. يقول العرب: "فلان يحطب عليّ"، أي ينم ويتكلم عني بالسوء.
### غضب حمالة الحطب
عندما سمعت حمالة الحطب آيات القرآن تذكرها بهذا الاسم، توجهت بسرعة نحو الكعبة، إلى حجر إسماعيل، لأنها كانت تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الجلوس هناك. انطلقت مسرعة ومولولة، وهي امرأة بذيئة لا يخرج من فمها إلا الكلام الفاحش. كانت سرعتها شديدة، ووصفت في كتب السيرة بـ "الحمامة الشديدة السرعة". كانت في غاية الغضب، وتحمل في يدها "الفهر" (حجر مطاول يسمى اليوم "الهاون").
### المواجهة أمام الكعبة
عند وصولها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان جالسًا بجانب أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حجب الله بصرها عنه فلم تراه، بل رأت أبا بكر فقط. قالت له: "يا أبا بكر، أين صاحبك مذمم هذا؟" (استخدمت اسم "مذمم" بدلاً من "محمد" كي لا تصل الشتيمة إليه، فحماه الله من يدها ولسانها).
سكت أبو بكر رضي الله عنه مندهشًا، معتقدًا أنها ترى رسول الله. لكنها استمرت تقول: "أيهجوني صاحبك؟ يُذكر اسمي على لسان الصغار في مكة؟ واللات والعزى، إن رأيته لأضربنَّ رأسه بهذا الحجر". كانت تتحدث بغضب وهي لا ترى النبي صلى الله عليه وسلم الجالس أمامها. أبو بكر رضي الله عنه مندهش، وسألها: "هل ترين عندي أحدًا؟"، فأجابت بغضب: "أتهزأ بي؟ ما أرى عندك أحدًا". ثم قالت: "قل لمحمد إذا رأيته، كما هجاني لأهجونه: مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا".
### الحماية الإلهية
انصرفت حمالة الحطب، والتفت أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: "بأبي أنت وأمي، ألم تكن تراك؟!". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يا أبا بكر، إن الله أخذ بصرها فلم تراني. عندما اقتربت ووقفت، جاء جبريل ووقف ووضع جناحه بيني وبينها".
### العبرة من القصة
قصة حمالة الحطب تحمل العديد من العبر. فهي تبرز كيف أن الله سبحانه وتعالى يحمي رسوله من أذى الأعداء والمشركين. كما تظهر كيف يمكن للبغض والحقد أن يعمي البصيرة، حتى لا ترى الحق أمامها. وتعلمنا أيضًا أن الفتنة والكلام السيء عن الآخرين يجران الويلات على صاحبها، ويجعلانه مستحقًا للذم والسوء في الدنيا قبل الآخرة.
تذكير لنا بأن نبتعد عن نقل الفتن والأذى، وأن نتحلى بالأخلاق الطيبة في تعاملاتنا مع الآخرين.