قصّة نبيّ الله داوود وملك الموت و الشاب.

قصّة نبيّ الله داوود وملك الموت و الشاب.

1 المراجعات

كانت الأيام تمر بهدوء في مجلس نبي الله داوود عليه السلام، حيث كان الناس يجتمعون حوله ليستمعوا إلى حكمته ويستفيدوا من علمه. وكان من بين هؤلاء الناس شاب في مقتبل العمر، عمره لا يتجاوز العشرين سنة. كان الشاب يتمتع بحيوية الشباب ، وكان يحضر مجلس النبي بانتظام يتعلم منه الحكمة والموعضة لم يكن يدرك أن حياته على وشك أن تتغير تماماً بسبب لقاء قريب مع ملك الموت.

في أحد الأيام، بينما كان النبي داوود عليه السلام يجلس في مجلسه المعتاد، دخل عليه ملك الموت وكان ملك الموت يظهر في مجلس النبي بين الحين والآخر و لكن في كل مرة كان يثير لدى النبي الفضول بشأن سبب زيارته. فنهض نبي الله داوود، وتوجه إلى ملك الموت بابتسامة مرحبة وقال: "أهلاً بأخي وحبيبي ملك الموت، أجئتني قابضاً أم زائراً؟" كان داوود عليه السلام يدرك أن لكل لقاء مع ملك الموت معنى، وكان يتساءل في داخله عن الغرض من هذه الزيارة.

ابتسم ملك الموت برفق وأجاب: "لا، لم آتِ لأقبض روحك يا نبي الله، بل جئت لأبلغك بأمر يخص هذا الشاب الذي يجلس في مجلسك." شعر نبي الله داوود بالقلق فور سماع هذه الكلمات، وسأل: "وماذا بشأن هذا الشاب؟" فأجابه ملك الموت: "لم يتبقَ لهذا الشاب من عمره سوى عشرة أيام فقط."

كان هذا الخبر بمثابة صدمة لنبي الله داوود. الشاب في ريعان شبابه، ولم يكن يظهر عليه أي علامات تشير إلى قرب أجله. كان يبدو مليئًا بالحياة والحيوية، وكان نبي الله قد اعتاد على وجوده في مجلسه. بدأ داوود عليه السلام يشعر بالحزن، وأخذ يراقب هذا الشاب بعناية طوال الأيام العشرة التي تلت ذلك، ينتظر اللحظة التي يقترب فيها الأجل.

ومرت الأيام العشر، ولكن لم يحدث شيء. الشاب كان لا يزال على قيد الحياة، ولم يظهر عليه أي علامات للموت. بدا الأمر غريباً للغاية. وفي اليوم السادس عشر، دخل ملك الموت مرة أخرى على نبي الله داوود. وكان داوود عليه السلام يشعر بالحيرة والقلق، فنهض من مجلسه وسأل ملك الموت مرة أخرى: "أهلاً بأخي وحبيبي ملك الموت، أجئتني قابضاً أم زائراً؟"

أجاب ملك الموت: "لا، لم آتِ لأقبض روحك، ولكن جئت لأخبرك بأمر يخص الشاب الذي خرج من مجلسك." تعجب داوود عليه السلام وسأله: "بلى، قلت لي أن له عشرة أيام فقط ليعيش، وقد مرت الآن ستة عشر يوماً، فما الذي حدث؟"

و كان رد ملك الموت وأوضح: "لقد أمرني ربي أن أقبض روح هذا الشاب، فمشيت في الأرض شرقاً وغرباً أبحث عنه، ولكن لم أجد له لقمة يأكلها، ولا جرعة ماء وكان يبدو أن أجله قد اقترب، ولم يتبقَ له إلا أنفاس معدودة. وبينما كنت أمشي بجانبه، مر به فقير وإستوقفه قائلاً: 'أعطني بالله عليك.' فلم يتردد الشاب، ومد يده في جيبه، وأخرج ستة دنانير، وأعطاها للفقير."

هنا توقف ملك الموت عن الكلام لوهلة، ثم أكمل: "عندما أخذ الفقير المال، رفع يديه إلى السماء ودعا له قائلاً: 'أطال الله في عمرك، وجعلك رفيق داوود في الجنة.' وفي تلك اللحظة، سمعت نداءً من رب العزة يقول: 'تعال يا ملك الموت، لا تقبض روحه.'"

كان داوود عليه السلام يستمع إلى هذا الحديث بإنتباه شديد، وسأله: "ولماذا لم تقبض روحه كما أمرت من قبل؟" فأجاب ملك الموت: "سألت ربي، ربي لم يكن للشاب لقمة يأكلها ولا جرعة ماء يشربها، ومابقي له إلا أنفاس قليلة، فكيف لا أقبض روحه؟" فقال الله عز وجل: "أما رأيت ما أعطى الفقير؟" فأجبت: "بلى، رأيت." فقال الله: "أما سمعت دعاء الفقير؟" فأجبت: "بلى، سمعت."

ثم تابع ملك الموت قائلاً: "قال الله لي: اذهب إلى نبي الله داوود وقل له إن الله قد أعطى هذا الشاب بستة دنانير ستين عاماً إضافية من العمر، ولن يموت إلا وعمره ثمانون عاماً، وسيكون رفيقك يا داوود في الجنة."

تأمل نبي الله داوود عليه السلام في كلمات ملك الموت، وأدرك أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرسل له وللناس جميعاً درساً عظيماً عن قيمة العطاء والإحسان. الشاب الذي كان من المفترض أن يموت بعد عشرة أيام فقط، قد كتب الله له عمراً طويلاً بسبب عمله الخيري الصغير. ستة دنانير كانت سبباً في أن يطيل الله عمره بستين عاماً، ويجعله من رفاق النبي داوود في الجنة.

هذه القصة ليست مجرد رواية، بل هي درس عظيم في الإيمان بقضاء الله وقدره، وفي الإحسان إلى الآخرين مهما كانت الظروف. فإن العطاء، حتى وإن كان بسيطاً، قد يكون له أثر كبير في حياتنا وفي حيات الآخرين. الله سبحانه وتعالى يراقب أعمالنا، وهو أرحم الراحمين، ومن يجود بالعطاء سيجد جزاءه عند الله في الدنيا والآخرة.

لقد عاش هذا الشاب بعد ذلك حياة طويلة، ممتدة، واستمر في مجالسة نبي الله داوود، وتعلم منه الحكمة والإيمان. وكان دائماً يتذكر تلك اللحظة التي أعطى فيها الفقير الستة دنانير، وكيف أن الله قد أطال عمره بسبب هذا العمل الصالح. أصبحت قصته منارة للآخرين، تعلّمهم أن العطاء والإحسان يمكن أن يغيرا مجرى حياتهم بطرق لا يمكنهم تخيلها.

إنها قصة تعكس كيف يمكن لأعمال الخير، مهما كانت صغيرة، أن يكون لها تأثير كبير على حياتنا وعلى مصيرنا. الله سبحانه وتعالى عادل ورحيم، ويعطي لكل إنسان وفقاً لما يستحق، ويضاعف للمتصدقين من رحمته وفضله. وهكذا، تظل هذه القصة شاهداً على أن العطاء والإحسان هما من أعظم القيم التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

36

متابعهم

72

مقالات مشابة