" الليل و مناجاة الروح "
في ليلةٍ مُقمِرة ، لم تهدأ فيها النَّفس!
تداعت عليها أعاصير من الهموم والغموم ، وتلاطمت أمواج العقل الباطن ، حتى أزْبَد الفِكرُ وأرعد ،
فصار كرجلٍ وحيدٍ في صحراء شاسعة يغدو ويروح يُمنة ويُسرة ، خوفاً من المجهول ، وبحثاً عن الحقيقة!.
ولعلَّكَ تَعجبُ في نفسك وتقول : " بحثاً عن الأمان " !!
فأقول لك إنك لن تجد الأمان إلا إذا عرفتَ حقيقته ، وعرفتَ حقيقة نفسك ، فإذا عرفتَ ذلك أيقنت أن لا أمان إلا إذا آوَيتَ إلى ركنٍ شديد
فمهما عَصَفَت بك الأقدار ، وتلاطمت أمواج هَمِّك وغَمِّك ، فأنت في حِرزٍ حصين ،
ساعتها لن تستطيع أن تَصِفَ حلاوة الأمان الذي تَنعَم به ، ولو كنتَ أشعر الشعراء وأديب الأُدباء .
ولِعِلمي أنَّك تَسْأَم من الإطالة وتَمَلّ ، فدعني أُخبرك بما حدث لي تلك " الليلة المقمرة " ،
بعد ما شعرتُ بما وصفته لك ، أردتُ أن أحتَجِبَ أو أختفي من كلِّ هذه الأعاصير التي أرهقتني بدناً وروحاً ،
والحقيقة أنني أردتُ الهَرَبَ من هذا كله ، فطرحتُ ظهري على الأرض لعلِّي أنام ، لكن هيهات !
بعد ساعةٍ قضيتُها مُتَقلِّباً كسمكةٍ مُلقَاةٍ على جمر الغضَا ، تتألم ولا تسمع لأنينها حِسَّا ،
هَبَّت الرُّوح فجَثَت على صدري تجأر إلى الله ، ترفع أكُفَّ قلبٍ يئِن أنين الجزع ، تُنَاجي ربها في ظلمة الليل البهيم ، قالت وقد أطربني قولها ودعاؤها وسكَّن من روعي :
يا رب إنَّ لي قلباً من كثرة الذنوب كاد أن يموت ، فارزقه يا رب " الإحياء " ، وأَمِدَّه بـ " القوت " ،
وضرَّته العزلة ، فيسِّر اللهم له العيش في " رياض الصالحين " ، وحَلِّه بـ " حلية الأولياء " ، ونَقِّه ليكون من " صفوة الصفوة " ، وهَبْ له اليقينَ " المنقذ من الضلال " .
قلبٌ يتقلب بين " الترغيب والترهيب " ، لكنه مشتاق ، طامعٌ في أعلى " الطبقات " ،
دامعٌ كلما مرَّ بـ " عيون الحكايات " ، منتظرٌ لعطاء الله الجميل ، ليتروَّى من " الحِكَم " ، يرجو أن يحدو به " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " .
فافتح اللهم علينا بـ " الفتوحات الإلاهية " ، ونسألك " إيقاظ الهمم " ، وأصلح لنا اللهم " عيوب النَّفس "
وطهرها بـ " بحر الدموع " ، وامنن علينا بـ " لطائف المنن " ، حتى نرتقي لـ " مشاهد الأسرار القدسية " و " معراج التَّشوُّف " ،
يا " مُفَرِّج الكروب ومُفَرِّح القلوب " ، اسلُك بنا " منهاج العابدين " ، وخذ بأيدينا إلى " مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح " اللهم آمين .