( العُزلَةُ أُنْس المُحِب )

( العُزلَةُ أُنْس المُحِب )

0 المراجعات

    لا تكن ممن يحكم على " المقال " من عنوانه ،

 فأنا لا أدعوك لترك الناس ولا أنهاك عن مخالطتهم ، فهو شرٌ لابد منه وليتك تسلم ! ، إنما أدعو رُوْحَك لمقامٍ عالٍ .

    أدعو هذه الرُّوح المنهكة ، التي أنهكتها عوامل الأذى المحاطة بها من كل الاتجاهات ، 

فلم تَعُد صافية كما كانت ، ولم تَعُد مُحَلِّقَة في الملأ الأعلى ، كأنَّ جناحاها انتُزِعَا منها انتزاعاً ، ووضِعَ مكانهما صخور من الجبال ، 

فصارت مُثقَلة بين جنبيك ، مُنَكِّسة رأسها ، صارت حبيسة هذا الجسد الذي غَفَل عنها ، تَئِنُّ في كل لحظة وكأنك لا تسمعها ، أو لا تُريد أن تسمعها ، 

ملهوفة لا تجد غوثاً ، خائفة لا تجد ملاذاً آمناً .

   

دعني يا صديقي أُخَاطِب روحك المسكينة هذه ؛ عَلَّها تهدأ وتسكن قليلاً ، لا لشيء غير أنها وجدت من يُفكِّر في عذاباتها وتقلُّباتها ، 

فمن لم يجد لنفسه قيمة عند صاحبه لا يُعَوِّلُ عليه !

    إنَّ المرء إذا صفا فكره ، نظر إلى روحه مُقبلاً عليها ، مفككاً أغلالها ، محرراً لها من تلك القيود ، قيود الغفلة والشهوات واتِّبَاع الملذَّات .

   أمرها عجب ، بل أعجب من العجب ، أتدري لماذا؟! لأنك لو وضعتها في مكانتها وعرفت قيمتها ، لوجدتها آخذة بيدك فتطوف بك مع الملائكة حول العرش .

   دعها في حضرة ربِّهَا ، هيئ لها أسباب الخلوة ، قُم بعزلها عن النَّاس قليلاً وإن كانت بينهم ، سترى الناس في وادٍ وهْيَ في وادٍ آخر ، 

لا يصل إليها ضجيجهم ، ليست مشتَّتة بين قيل وقال ، وكثرة السؤال ، هي يا صديقي في عالم آخر ، في العَالَم الذي خُلِقَت لترتع فيه !

  

 دائماً أدعو أحبابي لـ " التَّأمُّل " ، 

لأن المتأمل هو الغَوَّاص الذي يغوص بين السطور فيستخرج من أعماقها ما لذَّ وطاب ، 

فمثلاً تعالى لنشهد أنا وأنت رجلاً من السادة الأصحاب قصد سيدنا ﷺ ليسأله : ما النجاة ؟!

    هل رأيت الفزع في عينيه ! فزع وخوف شديدان قلبا حاله رأساً على عَقِب ،

 فخرج مسرعاً يبحث عن ملاذٍ يلوذ به ، يبحث عمن يُغِيث لهفته ، عمن يدركه قبل أن يسقط فيهلك ـ لله دَرُّهم ـ فلم يجد إلا سيدنا ، 

وكيف لا وهو الذي يقول : " أنا لها أنا لها " في يوم لا يتكلم فيه بعد الله أحدٌ من العالمين إلا هو ؛ بأبي هو وأمي ونفسي وولدي ﷺ .

    فلما طرح نفسه بين يدي أمان الأمة وملاذها في الدنيا والآخرة ، أدركه  ﷺ ، أمَّن روعه ، ربَتَ على روحه وطَوَّقَه بطوق النجاة ، 

فقال له : " أمسِكْ عليك لسانك ، ولْيَسَعكَ بيتك ، وابكِ على خطيئتك " . هذه هي الوصفة النبوية من تحقق بها نجا جسداً وروحاً .

  وللحديث بقية في المرة القادمة ـ ولعلها تكون مرات عدة ـ بإذن الله تعالى إن قدَّر الله لنا البقاء واللقاء ، والسلام ختام .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

1

متابعهم

0

مقالات مشابة