
الصبر و التحمل عند الصحابة

الصبر والتحمل عند الصحابة
يُعد الصبر من أعظم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، فقد جعله الله سببًا لنيل الأجر العظيم، وقرنه في كتابه الكريم باليقين والتقوى والجهاد. وعندما نتأمل في سيرة الصحابة رضوان الله عليهم نجد أنهم كانوا أروع الأمثلة في الصبر والتحمل، سواء في مواجهة الابتلاءات أو في التمسك بدينهم رغم الصعاب، أو في تحمل مشاق الجهاد والهجرة في سبيل الله.
الصبر على الأذى في سبيل العقيدة
من أبرز صور صبر الصحابة ما تعرضوا له في بداية الدعوة الإسلامية في مكة. فقد لاقوا أصناف العذاب من قريش؛ فمنهم من حُبس وعُذب، ومنهم من صُودر ماله، ومنهم من طُرد من وطنه. ومع ذلك، لم يزحزحهم الأذى عن عقيدتهم.
نذكر على سبيل المثال بلال بن رباح رضي الله عنه، العبد الحبشي الذي اشتراه أمية بن خلف وأخذ يعذبه تحت لهيب الشمس، ويضع على صدره صخورًا ثقيلة كي يترك الإسلام. لكن بلال كان يردد كلمة واحدة: “أحد، أحد”، معلنًا أن صبره أقوى من جلاديه، وأن إيمانه لا يلين مهما اشتد العذاب.
كذلك كانت قصة آل ياسر رضي الله عنهم، حيث صبروا على أشد أنواع العذاب حتى قضى سمية وياسر شهيدين تحت التعذيب، وبقي عمار صابرًا محتسبًا. وقد بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”.
الصبر على مشاق الهجرة
ومن أعظم مواقف التحمل ما فعله الصحابة عند الهجرة من مكة إلى المدينة. تركوا أوطانهم وأموالهم وبيوتهم، وخرجوا مهاجرين في سبيل الله، لا يحملون معهم إلا إيمانهم. وكان هذا الابتلاء اختبارًا عظيمًا لصبرهم، لكنهم آثروا رضا الله ورسوله على الدنيا كلها.
الصحابي الجليل صهيب الرومي مثلاً، حين أراد الهجرة منعه المشركون من أخذ ماله، فترك لهم كل ما يملك قائلاً: “إن المال إنما هو لكم، وأما أنا فسأهاجر إلى رسول الله.” وهكذا ضحى بماله كله في سبيل الهجرة، فاستحق دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “ربح صهيب، ربح صهيب”.
الصبر في ميادين الجهاد
لم يكن الجهاد في سبيل الله طريقًا مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالصعاب والمشقة. ومع ذلك صبر الصحابة وتحملوا الجوع والعطش والتعب. ففي غزوة الخندق مثلاً، ظلوا أيامًا طويلة يحفرون الخندق بأيديهم، يعانون من شدة الجوع حتى ربط بعضهم الحجر على بطنه. ومع ذلك، ثبتوا محتسبين، وكان صبرهم سببًا في نصر الله للمؤمنين.
كما نرى في غزوة تبوك، حين خرج الصحابة في حر شديد ومسافة طويلة بلا زاد كافٍ ولا راحلة، حتى سُميت “غزوة العسرة”. لكنهم صبروا على شدة الظروف، ولم يتراجعوا عن نصرة دينهم. وقد أثنى الله عليهم في كتابه فقال: “لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة”.
الصبر على الفتن والابتلاءات
لم يقتصر صبر الصحابة على العذاب في مكة أو مشاق الجهاد، بل صبروا كذلك على الفتن التي ظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد وقفوا ثابتين أمام موجة الردة، وقاتلوا المرتدين رغم ما أصابهم من مشقة. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثالًا في التحمل والثبات، حين قال كلمته الشهيرة: “والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه”.
خلاصة
إن الصبر والتحمل لم يكن عند الصحابة مجرد شعارات أو أقوال، بل كان واقعًا عاشوه بكل تفاصيله. صبروا على الأذى، وضحوا بالدنيا من أجل الدين، وتحملوا المشاق في سبيل نشر رسالة الإسلام. وبفضل صبرهم، وصل إلينا هذا الدين نقيًا عزيزًا.
ولهذا فإن التأمل في سيرتهم يعلّمنا أن الصبر ليس ضعفًا، بل هو قوة وإرادة. وهو سلاح المؤمن في مواجهة الابتلاءات، ووسيلته لنيل رضا الله والفوز بالجنة، كما قال تعالى: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”.