نسيبة بنت كعب.. أيقونة البطولة في صدر الإسلام

نسيبة بنت كعب.. أيقونة البطولة في صدر الإسلام

Rating 0 out of 5.
0 reviews

نسبها ونشأتها

هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، من بني مازن من الخزرج، تكنى بأم عمارة. نشأت في المدينة المنورة بين قومها الأنصار الذين تميزوا بنصرة الدعوة الإسلامية واحتضان الرسول ﷺ بعد الهجرة. تربت في بيئة يغلب عليها الكرم والإيثار، وغُرست في قلبها منذ الصغر معاني العزة والغيرة على الدين.

إسلامها ومبايعتها

كان لنسيبة شرف السبق في نصرة الدعوة؛ فهي من النساء القلائل اللواتي شهدن بيعة العقبة الثانية مع النبي ﷺ، إلى جانب زوجها زيد بن عاصم وابنيها عبد الله وحبيب. وقد بايعت على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وعلى نصرة الدين وعدم التراجع. وهذه المبايعة المبكرة تكشف عمق إيمانها وصلابة شخصيتها، إذ لم تكن المبايعة في تلك المرحلة أمرًا يسيرًا، بل كانت إعلان مواجهة لقريش وخوضًا لمغامرة محفوفة بالمخاطر.

بطولتها في غزوة أحد

تتجلى عظمة نسيبة بنت كعب في غزوة أحد، حيث خرجت في البداية لتسقي الجرحى وتضمد جراح المسلمين، لكنها ما لبثت أن أمسكت السيف والدرع حين رأت صفوف المسلمين تتشتت، والرسول ﷺ يُحاصر من قبل قريش. وقفت أم عمارة موقفًا أسطوريًا، تقاتل ببسالة إلى جانب النبي ﷺ وتذود عنه بنفسها.

وقد شهد لها النبي ﷺ فقال:
"ما التفت يمينًا ولا شمالًا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني."

أصيبت يومها بعدة جراحات بليغة، لكنها لم تفتر عزيمتها. وظلت ثابتة حتى نهاية المعركة، لتصبح نموذجًا فريدًا في التضحية والإخلاص.

استمرارها في ميادين الجهاد

لم تكن غزوة أحد نهاية المطاف بالنسبة لأم عمارة؛ فقد شاركت كذلك في غزوة حنين وغيرها من المشاهد. لكنها بلغت قمة الإقدام حين خرجت في يوم اليمامة في معركة حاسمة ضد مسيلمة الكذاب. قاتلت قتال الأبطال حتى أصيبت بأكثر من عشرة جروح خطيرة، وقطع أحد ذراعيها، لكنها واصلت القتال غير عابئة بجراحها، لتخلد صورتها في ذاكرة المسلمين كرمز للتضحية والفداء.

ابنها حبيب ومحنة مسيلمة

لم تقتصر تضحيات نسيبة على نفسها، بل قدمت أبناءها في سبيل العقيدة. فقد كان ابنها حبيب بن زيد من السابقين إلى الإسلام، وأرسله النبي ﷺ برسالة إلى مسيلمة الكذاب. لكن مسيلمة قتله شر قتلة بعدما رفض الاعتراف به نبيًا، إذ قطّعه عضوًا عضوًا وهو ثابت لا يتزحزح عن إيمانه.

تحملت نسيبة هذا المصاب الجلل بصبر واحتساب، وزادها ذلك قوة في العزيمة، حتى أقسمت أن تنتقم من مسيلمة أو تموت دونه. وقد تحقق لها ما أرادت يوم اليمامة، حيث شاركت في المعركة حتى سقط مسيلمة صريعًا على يد وحشي.

مواقفها مع النبي ﷺ

إلى جانب جهادها في المعارك، كانت أم عمارة قريبة من النبي ﷺ، تسمع حديثه وتستقي من نوره. روت عنه أحاديث قليلة لكنها نفيسة، منها قوله:image about نسيبة بنت كعب.. أيقونة البطولة في صدر الإسلام
"مكانك يا أم عمارة، ومن يطيق ما تطيقين؟"
إشارة إلى قوتها وصبرها.

كما كان النبي ﷺ يدعو لها ولأبنائها، ويشهد بفضلها بين الصحابة، ما يرفع مكانتها في سجل نساء الإسلام الخالدات.

صفاتها الشخصية

تميزت نسيبة بنت كعب بصفات قلّ أن تجتمع في شخص واحد:

الشجاعة: إذ لم تكتفِ بخدمة الجيش، بل حملت السلاح في أصعب المواقف.

الإيمان العميق: فكانت ترى الجهاد ذروة سنام الإسلام، وتبذل نفسها وأبناءها في سبيله.

الصبر والاحتساب: صبرت على فقدان ابنها وعلى جراحها الكثيرة.

الإخلاص: لم تسعَ إلى ذكر أو شهرة، بل كان همها الأول نصرة الدين وحماية رسول الله ﷺ.

وفاتها وإرثها

توفيت نسيبة بنت كعب بعد سنوات من معركة اليمامة، وقد تركت خلفها إرثًا خالدًا من البطولة والإيمان. فهي ليست مجرد امرأة حملت السيف، بل نموذج حيّ للمرأة المؤمنة الفاعلة التي جمعت بين رقة القلب وصلابة الموقف. وظل اسمها يتردد على ألسنة المؤرخين والفقهاء، كرمز للثبات واليقين والتضحية.

خاتمة

إن سيرة نسيبة بنت كعب ليست مجرد قصة تاريخية، بل هي درس متجدد للأجيال في أن الإيمان الحق يولّد الشجاعة، وأن المرأة المسلمة قادرة على أن تكون ركيزة في بناء الأمة، لا مجرد متفرجة على الأحداث. لقد نقشت أم عمارة اسمها بدمائها وجراحها في سجل الخالدين، لتبقى أيقونة البطولة في صدر الإسلام.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

4

followings

1

similar articles
-