مسجد السيد هاشم بن عبدمناف في غزة

مسجد السيد هاشم بن عبدمناف في غزة

Rating 0 out of 5.
0 reviews

مسجد السيد هاشم في غزة

يُعَدّ مسجد السيد هاشم واحداً من أهم المعالم الإسلامية والتاريخية في مدينة غزة، بل ومن أبرز المساجد في فلسطين كلها. فهو ليس مجرد مكان للصلاة والعبادة، بل معلم حضاري وروحي ارتبط بتاريخ الإسلام والنبي محمد ﷺ ارتباطاً مباشراً، حيث يضم ضريح هاشم بن عبد مناف، جد النبي الكريم، الذي توفي في غزة أثناء رحلة تجارية مع قافلة قريش. ومن هنا جاءت تسمية المسجد باسمه، كما عُرفت غزة عبر القرون بـ "غزة هاشم".

المسجد يمثل في الوقت ذاته تراثاً معمارياً فريداً يجمع بين الطراز المملوكي والعثماني، إضافة إلى كونه شاهداً على تاريخ غزة الحافل بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية.

أولاً: الموقع وأهمية المكان

يقع مسجد السيد هاشم في حي الدرج بمدينة غزة القديمة، وهو أحد الأحياء التاريخية التي تزخر بالمباني الأثرية والأسواق الشعبية. وجود المسجد في قلب هذا الحي منحه أهمية خاصة، إذ أصبح مركزاً دينياً وروحياً، تحيط به الحياة اليومية للسكان. وكان ولا يزال نقطة جذب للزائرين، سواء من أبناء المدينة أو القادمين من خارجها.

حي الدرج، حيث يوجد المسجد، يُعَدّ من أقدم أحياء غزة وأكثرها كثافة سكانية، وقد ارتبط تاريخياً بالعلم والدين والتجارة. ولهذا، فإن وجود المسجد في هذا المكان جعل منه محوراً أساسياً في الحياة العامة.

image about مسجد السيد هاشم بن عبدمناف في غزة

ثانياً: هاشم بن عبد مناف وارتباطه بغزة

يُعتبر هاشم بن عبد مناف واحداً من أهم شخصيات قريش، وهو الجد الثاني للنبي محمد ﷺ. اشتهر بتجارته ورحلاته إلى الشام واليمن، وكان أول من سنّ رحلتي الشتاء والصيف لقريش.

وفي إحدى رحلاته التجارية إلى غزة، أصيب بمرض وتوفي هناك، فدُفن في الموقع الذي صار لاحقاً مزاراً ومسجداً يحمل اسمه. ومن هنا التصق اسم هاشم بالمدينة، فباتت تُعرف في المصادر العربية والإسلامية بـ غزة هاشم.

هذا البعد التاريخي منح المسجد قدسية إضافية، إذ أصبح رمزاً لارتباط فلسطين المبكر بسيرة النبي وأهله.

ثالثاً: تاريخ بناء المسجد

تعود أصول المسجد إلى العصور الوسطى، وقد بُني في شكله الأول خلال العهد المملوكي في القرن الثالث عشر الميلادي تقريباً. المماليك اهتموا كثيراً بتشييد المساجد والمدارس في فلسطين، ومسجد السيد هاشم كان واحداً من أبرز إنجازاتهم.

ثم جاء العهد العثماني ليشهد توسعة كبيرة للمسجد، حيث أعيد ترميمه وتطويره ليأخذ شكله الحالي. ومنذ ذلك الوقت أصبح واحداً من أكبر مساجد غزة وأهمها.

وخلال القرون التالية، تعرض المسجد لعدة عمليات ترميم بسبب الزلازل أو الحروب التي شهدتها غزة، لكن طابعه المعماري الإسلامي ظل مميزاً حتى اليوم.

رابعاً: العمارة والتصميم

يمثل المسجد نموذجاً رائعاً للعمارة الإسلامية المملوكية والعثمانية:

1. البناء الحجري: بُني المسجد من الحجارة الكلسية المتينة التي تشتهر بها المنطقة، وهو ما جعله صامداً لقرون طويلة.

2. المئذنة: عالية وبارزة، مبنية على الطراز العثماني، وتُعد من أبرز معالم حي الدرج حيث يُسمع منها الأذان في أرجاء المدينة.

3. المحراب: يقع في الجهة الجنوبية للمسجد، وهو محراب مزخرف ذو طراز جميل يعكس دقة العمارة الإسلامية.

4. القبة: تغطي ضريح السيد هاشم، وهي قبة متناسقة التصميم تُضفي هيبة وروحانية على المكان.

5. الفناء الواسع: يحتوي على مساحات للصلاة، وأروقة حجرية مقوسة تُستخدم للصلاة والتدريس.

6. النوافذ والزخارف: تتميز بزخارف هندسية وزخارف نباتية تعكس الطابع الفني الإسلامي.

هذا المزيج بين المملوكي والعثماني جعل من المسجد تحفة معمارية فريدة في غزة.

خامساً: ضريح السيد هاشم

يُعتبر الضريح داخل المسجد العنصر الأهم والأكثر قدسية. وهو مغطى بقبة مزخرفة، يحيط به سياج معدني يحفظ حرمة المكان. يزور الضريح الكثير من الغزيين والفلسطينيين والزائرين من الخارج، لقراءة الفاتحة والتبرك.

ولأن الضريح يعود لشخصية ترتبط مباشرة بالنبي ﷺ، فقد ظل محط اهتمام العلماء والمؤرخين على مر العصور، بل إن بعض الرحالة المسلمين خصصوا إشارات لزيارتهم لهذا المكان في كتبهم.

سادساً: الدور الديني والعلمي

لم يكن مسجد السيد هاشم مكاناً للصلاة فحسب، بل كان مركزاً للعلم والدعوة. على مرّ العصور، احتضن المسجد حلقات علمية في الفقه والحديث والتفسير، وكان ملتقى للعلماء وطلاب العلم.

كما لعب دوراً بارزاً في المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان المبارك وعيدَي الفطر والأضحى، حيث يجتمع الناس فيه لصلاة الجماعة والتراويح والاحتفالات الدينية.

سابعاً: الدور الاجتماعي والثقافي

المسجد لم يكن مجرد بناء ديني، بل كان أيضاً مركزاً اجتماعياً وثقافياً لأهل غزة. فقد كان مكاناً تُعقد فيه الاجتماعات، وتُناقش فيه قضايا الناس، وتُتخذ فيه القرارات المهمة على المستوى الشعبي.

كما ارتبط المسجد بالأنشطة الثقافية، مثل حلقات القرآن الكريم والإنشاد الديني، وهو ما عزز مكانته في قلوب الغزيين.

ثامناً: أعمال الترميم والحفاظ

شهد المسجد عدة عمليات ترميم خلال العهد العثماني ثم في العصر الحديث.

في فترة الاحتلال البريطاني، جرت بعض الترميمات للحفاظ عليه.

في العقود الأخيرة، اهتمت وزارة الأوقاف الفلسطينية والمؤسسات الأثرية بترميم المسجد وصيانة أجزائه المتضررة.

ومع الحروب المتكررة على غزة، تعرض المسجد لأضرار طفيفة، لكن تمت معالجتها بسرعة للحفاظ على هذا المَعْلَم التاريخي.

تاسعاً: مسجد السيد هاشم والهوية الغزية

يمثل المسجد جزءاً من الهوية التاريخية والدينية لأهل غزة. فارتباطه بسيرة النبي ﷺ جعله رمزاً يفتخرون به، بينما طابعه المعماري يجعله معلماً سياحياً يحرص الزوار على مشاهدته.

كذلك، فإن ارتباط غزة بهاشم بن عبد مناف منح المدينة لقباً تاريخياً هو غزة هاشم، وهو لقب ما زال يتردد حتى اليوم في الأوساط الشعبية والثقافية.

عاشراً: القيمة الدينية والحضارية

يختصر مسجد السيد هاشم مجموعة من القيم:

قيمة دينية: لارتباطه بضريح جد النبي ﷺ.

قيمة تاريخية: كونه شاهداً على عصور المماليك والعثمانيين.

قيمة معمارية: يجمع بين الطرازين المملوكي والعثماني.

قيمة اجتماعية: باعتباره مركزاً للتلاقي بين الناس. كل هذه القيم جعلت من المسجد واحداً من أعرق معالم غزة وفلسطين.

خاتمة

إن مسجد السيد هاشم في غزة ليس مجرد بناء أثري، بل هو ذاكرة حية تحكي قصة مدينة ارتبطت بسيرة النبي محمد ﷺ عبر جدّه هاشم بن عبد مناف. المسجد اليوم شاهد على تاريخ طويل يمتد لقرون، ومعلَم ديني وثقافي يعكس هوية الغزيين وفخرهم.

ولذلك فإن الحفاظ عليه لا يمثل مجرد صيانة لمبنى حجري، بل حفاظاً على جزء من التراث الإسلامي والعربي الذي يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد على أن غزة لم تكن يوماً بعيدة عن قلب التاريخ الإسلامي.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

22

followings

10

followings

6

similar articles
-