ٱفة الفراغ الروحي

ٱفة الفراغ الروحي

Rating 5 out of 5.
1 reviews

البعد الروحي في عالم المادة

مقدمة:

في خضم عالم يفيض بالماديات والتقنيات الحديثة، يزداد شعور الإنسان بفراغ داخلي لا تملؤه الأموال ولا الإنجازات. إنه الحنين العميق إلى المعنى، والبحث عن الطمأنينة المفقودة. هذا السؤال الوجودي القديم يجد في الشريعة الإسلامية تشخيصًا واضحًا وعلاجًا ناجعًا، يربط الروح بخالقها، ويعيد للقلب توازنه في رحلة الحياة.


 

1- المفارقة العصرية: كل شيء ولا شيء!

نعيش في زمن الوفرة: وفرة المال، والسلع، والتكنولوجيا، والترفيه. لكن المدهش أن كثيرين يصفون حياتهم بأنها فارغة، يلاحقهم جوع داخلي لا تشبعه ماديات الدنيا. إنه تناقض صارخ: الأيدي ممتلئة، لكن القلوب خاوية.
وقد لخص النبي ﷺ هذه المفارقة بقوله:
«ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» (متفق عليه).

وقال الشاعر:

 إذا غَذَتِ الأرواحُ بالذِّكرِ والتُّقَى
فما بالُها تبقى القلوبُ جياعَا؟

 


 

2- التتشخيص الشرعي: أين يكمن الداء؟

الإسلام يشخّص هذه الأزمة بوضوح: انفصال الإنسان عن مصدره الروحي، عن الله تعالى.
حين ينسى الإنسان رسالته، ويغفل عن غايته التي حددها القرآن:
﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: 56]،
يصبح كمن يسير بلا بوصلة. عندها يظهر القلق، والاكتئاب، والشعور بالضياع، حتى لو كان فimage about ٱفة الفراغ الروحي ي أرقى القصور.

ويشير القرآن إلى هذا المرض بقوله:
﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ [طه: 124].


 

3- الذكر والعبادة: شحن الروح بالطاقة الإلهية

العبادة في الإسلام ليست طقوسًا جامدة، بل هي غذاءٌ يومي للروح.
فالقلب يشبه الهاتف الذكي؛ إن لم يُشحن، فرغ وانطفأ. والذكر هو وصلة الشحن التي تربط القلب بالله.

قال النبي ﷺ:
«مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» (رواه البخاري).

وقال أيضًا:
«ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم... ذكر الله» (رواه الترمذي).

وقال الشاعر:

 أَلا بذكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ قلوبُنا
وتُشرقُ أرواحٌ إذا ما أظلما

 


4- الروح قبل المادة:

التاريخ الإسلامي مليء بنماذج جسّدت هذا المعنى. فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعيشون حياة بسيطة ماديًا، لكنهم ملأوا الدنيا إيمانًا وطمأنينة.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو خليفة يملك مفاتيح دولة مترامية الأطراف، كان ينام على حصير يؤثر في جسده، ويقول: "حسبنا من الدنيا قوت يومنا". تلك البساطة لم تكن فقرًا، بل غنى روحيًا جعلهم أعظم من الملوك.


 

4-الطريق إلى الصفاء الروحي:

الحل لا يكمن في الهروب من الدنيا، بل في إعادة التوازن بين المادة والروح. الذكر، الصلاة، قراءة القرآن، الدعاء، كلها قنوات اتصال بالرحمة الإلهية.

ومن يذق حلاوة القرب من الله، يدرك أن الطمأنينة لا تُشترى ولا تُستورد، بل تُزرع في القلب. كما قال تعالى:
﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد: 28].


 

خاتمة: 

الفراغ الروحي ليس قَدَرًا محتومًا، بل هو دعوة للإنسان كي يعود إلى مصدر الطمأنينة الحقيقي. فالماديات مهما كثرت لا تملأ القلب، وإنما يملؤه الإيمان والذكر والاتصال بالله. ومن وجد الله وجد كل شيء، ومن فقده فقد كل شيء، ولو امتلك الدنيا وما فيها. إنها رحلة بحث عن المعنى، تنتهي دائمًا عند باب واحد: باب القرب من الله تعالى.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

1

followings

2

similar articles
-