زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة وبوادر القيادة قبل البعثة..

زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة وبوادر القيادة قبل البعثة..

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

السيرة النبوية – الجزء الرابع.

زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة وبوادر القيادة قبل البعثة..

بعد ما استعرضنا في الأجزاء السابقة مولد النبي ﷺ ونشأته، ثم شبابه المبارك وما اتصف به من صدق وأمانة، نصل في هذا الجزء إلى مرحلة محورية ومهمة جدًا في السيرة النبوية، وهي مرحلة الاستقرار الأسري وبداية النضج الكامل لشخصية النبي محمد ﷺ، من خلال زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وما صاحب هذه الفترة من مواقف عظيمة كشفت عن حكمته وقيادته قبل البعثة.

image about زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة وبوادر القيادة قبل البعثة..

مكانة النبي ﷺ في المجتمع المكي قبل الزواج..

قبل زواج النبي ﷺ، كان قد أصبح معروفًا في مكة بلقب الصادق الأمين، وهو لقب لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة سنوات طويلة من الصدق، وحسن الخلق، والأمانة في المعاملات.
كان أهل مكة، على اختلاف طبقاتهم، يلجؤون إليه في الخصومات، ويأتمنونه على أموالهم، ويثقون في رأيه، رغم أنه لم يكن من أصحاب الجاه أو المال.

هذا القبول الاجتماعي الواسع كان تمهيدًا ربانيًا لدوره العظيم في المستقبل، فالدعوة لا تقوم إلا على الثقة، ولا تنتشر إلا بسيرة طيبة.

السيدة خديجة رضي الله عنها: المرأة العاقلة التاجرة..

كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من أشرف نساء قريش نسبًا، وأعظمهم عقلًا، وأكثرهم مالًا. عُرفت بالطهر والعفة، وكانت تُلقب في الجاهلية بـ الطاهرة.
اشتغلت بالتجارة، وكانت ترسل قوافلها إلى الشام واليمن، وتستأجر الرجال للاتجار بمالها مقابل أجر متفق عليه.

وحين سمعت عن أمانة محمد ﷺ وصدقه، رغبت أن يخرج في تجارتها إلى الشام، فعرضت عليه الأمر، فوافق ﷺ.

رحلة التجارة إلى الشام وبداية الإعجاب:

خرج النبي ﷺ في تجارة خديجة رضي الله عنها، ومعه غلامها ميسرة.
وفي هذه الرحلة ظهرت أخلاق النبي ﷺ بشكل أوضح، حيث لاحظ ميسرة صدقه في البيع، وعدله في التعامل، وحرصه على الأمانة، بل وحتى رحمته بالناس.

عاد النبي ﷺ من الرحلة بربح لم تعهده خديجة من قبل، وعاد ميسرة يحكي لها ما رآه من أخلاق عظيمة وسلوك فريد، فازداد إعجابها به، لا بماله، بل بأخلاقه وشخصيته.

رغبة خديجة في الزواج من النبي ﷺ..

رغم أن السيدة خديجة رضي الله عنها كانت تُعرض عليها الزيجات من كبار قريش وأغنيائهم، إلا أنها لم تجد فيهم ما وجدته في محمد ﷺ.
فأرسلت إليه من تُلمح له برغبتها في الزواج، فاستشار النبي ﷺ أعمامه، وعلى رأسهم أبو طالب، فذهبوا لخطبتها.

تم الزواج المبارك، وكان عمر النبي ﷺ خمسًا وعشرين سنة، بينما كانت السيدة خديجة رضي الله عنها في الأربعين من عمرها، وكان هذا الزواج أنجح زواج عرفه التاريخ من حيث المودة والرحمة والدعم.

حياة زوجية قائمة على الاحترام والمساندة..

عاش النبي ﷺ مع السيدة خديجة حياة هادئة مستقرة، لم يتزوج عليها طوال حياتها، وكانت له نعم الزوجة وأفضل سند.
أنجبت له جميع أولاده إلا إبراهيم، فكانت شريكته في الحياة قبل الدعوة، وأعظم نصير له بعدها.

وقد كان لهذا الاستقرار الأسري أثر بالغ في تهيئة النبي ﷺ نفسيًا وروحيًا للمرحلة القادمة من حياته، وهي مرحلة الوحي والدعوة.

إعادة بناء الكعبة وحكمة النبي ﷺ..

ومن أعظم المواقف التي حدثت قبل البعثة، حادثة إعادة بناء الكعبة المشرفة.
فقد تعرضت الكعبة لسيول أدت إلى تصدع جدرانها، فاتفق أهل مكة على إعادة بنائها، لكنهم اختلفوا اختلافًا شديدًا حول من له شرف وضع الحجر الأسود.

كاد الخلاف أن يتحول إلى اقتتال، حتى اتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل عليهم، فكان هو محمد ﷺ.

حل النزاع بطريقة عبقرية..

لمّا دخل النبي ﷺ ورآه القوم، قالوا جميعًا: جاء الصادق الأمين، رضينا به حكمًا.
فأمر بثوب، ووضع الحجر الأسود في وسطه، وطلب من رؤساء القبائل أن يمسك كل واحد بطرف الثوب، ثم حملوه جميعًا، ووضعه بيده الشريفة في مكانه.

بهذا الحل الحكيم، أطفأ نار الفتنة، وأرضى جميع الأطراف، وأثبت أنه قائد بالفطرة حتى قبل أن يُبعث نبيًا.

دلالات هذه المرحلة من السيرة:

تكشف هذه المرحلة من حياة النبي ﷺ عدة معانٍ عظيمة، منها:

أن الأخلاق هي أساس النجاح الحقيقي.

أن الاستقرار الأسري عنصر مهم في بناء القادة.

أن القيادة لا تحتاج منصبًا، بل حكمة وعدلًا.

أن الله سبحانه كان يُعد نبيه ﷺ إعدادًا دقيقًا قبل نزول الوحي.

تمهيد لمرحلة النبوة..

كانت هذه السنوات بمثابة مرحلة إعداد إلهي، تدرّب فيها النبي ﷺ على الصبر، وتحمل المسؤولية، وحل المشكلات، والتعامل مع الناس بحكمة.
ومع مرور الوقت، بدأ النبي ﷺ يميل إلى العزلة والتفكر، ويبحث عن الحق في مجتمع امتلأ بالظلم وعبادة الأصنام، لتبدأ بعدها أعظم مرحلة في تاريخ البشرية: مرحلة نزول الوحي.


خاتمة..

يمثل زواج النبي ﷺ من السيدة خديجة رضي الله عنها، وحادثة بناء الكعبة، نقطة تحول كبرى في حياته قبل البعثة. فقد اكتملت شخصيته الإنسانية والقيادية، وتهيأت روحه لحمل أعظم رسالة عرفها التاريخ.
وفي الجزء القادم من السيرة النبوية، سننتقل إلى بداية الوحي ونزول جبريل عليه السلام في غار حراء، وبداية نور الإسلام الذي أضاء الدنيا كلها.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Ahmed تقييم 5 من 5.
المقالات

18

متابعهم

7

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.