غزوة احد الكبرى

غزوة احد الكبرى

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

غزوة احد الكبرىimage about غزوة احد الكبرى

لم يكد يمر عام على يوم بدر، حتى كانت صحراء مكة تغلي ببراكين الثأر.بالتأكيد، إليك قصة غزوة أُحد بأسلوب أدبي يجسد أحداثها ومشاعرها:

لم يكد يمر عام على يوم بدر، حتى كانت صحراء مكة تغلي ببراكين الثأر. كانت قريش، التي جُرح كبرياؤها وسقط كبراؤها في بدر، تعد العدة لمعركة لا تريد منها غنيمة، بل تريد غسل عار الهزيمة بدم أصحاب النبي. حشدت جيشًا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، يقودهم أبو سفيان، وفي مقدمتهم فرسان كخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل. ولم يكتفوا بالرجال، بل ساقوا معهم النساء، وعلى رأسهن هند بنت عتبة، لتكون أصواتهن وزغاريدهن سياطًا تلهب ظهور المحاربين وتذكرهم بقتلاهم.

في المدينة، كان رسول الله ﷺ يرقب المشهد بحكمة القائد ونور النبوة. جمع أصحابه، فكان رأيه ورأي كبار الصحابة أن يتحصنوا بالمدينة، ويجعلوا من أزقتها وحصونها فخًا للعدو. لكن حماسة الشباب الذين فاتتهم غزوة بدر كانت متقدة، ورأوا في الخروج عزة وفي البقاء جبنًا. نزل النبي ﷺ على رأيهم، ودخل بيته ليلبس درعه، وحينها أدرك الصحابة أنهم ربما تسرعوا، لكن النبي خرج إليهم وقال قولته الخالدة: **"ما كان لنبي إذا لبس لأمته (درعه) أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه".**

خرج الجيش المسلم بألف مقاتل، لكن في منتصف الطريق، كشفت الفتنة عن وجهها القبيح. انسحب رأس النفاق، عبد الله بن أُبي بن سلول، بثلث الجيش، تاركًا وراءه 700 رجل فقط. لم تكن هذه خيانة بقدر ما كانت تصفية إلهية، ليبقى الصف نقيًا، لا تشوبه شائبة.

عند سفح جبل أُحد، اختار النبي ﷺ بعبقريته العسكرية موقع المعركة. جعل ظهر المسلمين إلى الجبل، ووضع خمسين من أمهر الرماة على جبل صغير يُدعى "جبل عينين"، وأعطاهم أمرًا واضحًا كالشمس: **"لا تبرحوا مكانكم، إن رأيتمونا ننتصر ونغنم، أو رأيتمونا نُهزم ونُقتل".** كان هذا الأمر هو صمام أمان المعركة كلها.

بدأ القتال، وصدق المؤمنون ما عاهدوا الله عليه. كان أسد الله، حمزة بن عبد المطلب، يمزق صفوف المشركين بسيفه، وعلي بن أبي طالب يصول ويجول، ومصعب بن عمير يرفع لواء الإسلام عاليًا. وما هي إلا ساعات حتى انهارت قريش، وبدأ جنودها بالفرار، تاركين وراءهم الغنائم تلمع تحت شمس الظهيرة. بدا النصر وشيكًا ومحققًا.

وهنا، في لحظة واحدة، تغير كل شيء.

رأى الرماة فوق الجبل إخوانهم يجمعون الغنائم، فصرخ بعضهم: "الغنيمة! الغنيمة! لقد انتهت المعركة!". حاول أميرهم، عبد الله بن جبير، أن يذكرهم بأمر النبي، لكن أربعين منهم نزلوا، مدفوعين ببريق النصر السريع. لم يبقَ إلا عشرة رجال يحرسون أهم ثغرة في المعركة.

كان خالد بن الوليد، بدهائه العسكري، يراقب المشهد. لمح الجبل وقد خلا من حراسه، فاستدار بفرسانه بسرعة البرق، والتف من خلف المسلمين، وقتل من بقي من الرماة، ثم انقض على الجيش المسلم من ظهره. تحول النصر الساحق إلى فوضى عارمة، ووجد المسلمون أنفسهم محاصرين بين سيوف المشركين من الأمام، وخيول خالد من الخلف.

في خضم هذه الفوضى، تركز الهجوم على شخص النبي ﷺ. كُسرت رباعيته، وشُج وجهه الشريف، وسال الدم الطاهر على لحيته. وفي تلك اللحظة العصيبة، صرخ أحدهم كذبًا: **"قُتل محمد!"**. كانت الإشاعة كالصاعقة، شلت همم البعض، وألقت اليأس في قلوب آخرين.

لكن وسط هذا الظلام، بزغ نور الثبات. ثبت النبي ﷺ كالجبل، يمسح الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم؟". وتجمعت حوله كوكبة من الأبطال، جعلوا من أجسادهم دروعًا تحميه. هذا أبو دجانة يتلقى السهام في ظهره دون أن يتحرك، وهذه نسيبة بنت كعب تقاتل دونه بالسيف، وهذا طلحة بن عبيد الله يمد يده ليتلقى ضربة سيف كانت متجهة لرسول الله حتى شُلّت يده.

انتهت المعركة بانسحاب قريش بعد أن فشلت في قتل النبي ﷺ. عاد المسلمون إلى المدينة، يحملون سبعين شهيدًا، وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة. كان الحزن عميقًا، والألم قاسيًا، لكن الدرس كان أعظم.

لم تكن أُحد هزيمة، بل كانت درسًا إلهيًا قاسيًا وضروريًا. تعلم فيه المسلمون أن طاعة القائد هي ثمن النصر، وأن مخالفة أمر واحد قد تكلف الأمة الكثير. تعلموا أن الدنيا دار ابتلاء، وأن الإيمان يُختبر في الشدائد، وأن النصر الحقيقي ليس في الغنيمة، بل في الثبات على المبدأ حتى النهاية.

---

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
LW is تقييم 4.9 من 5.
المقالات

4

متابعهم

6

متابعهم

2

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.