أهل القرآن هم أهل الله وخاصته
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه ، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله أصدق داع إلى الله، وأنصح خلق الله لعباد الله ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واتبع هداه .
بعث الله نبيه محمد بقرآن عربي مبين، بهر عقول فصحاء العرب وأقام عليهم الحجة، فاعترفوا بفضل بیانه وحسن كلامه، قال الوليد بن المغيرة: «والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وما يقول هذا بشر»، جعله الله في دجى الظلم نورا ساطعا، آیات في إثر آیات يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، جمع فأوعى في علاج النفوس وتقويم الأوضاع وإيقاظ القلوب، إنه حبل الله المتين، والنور المبين، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، من قال به صدق ، ومن حکم به عدل، ومن عمل به أجر، عجبت الجن من عجائبه
قل أوحي إلي أنه أستمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا أحدا [الجن : الآيتان ۱، ۲]
وبتلاوة القرآن والعمل به يعلو الشأن ويزهو القدر يقول أبو ذر - رضي الله عنه - قلت : يا رسول الله ، أوصني قال : «عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء» (رواه ابن حبان). وخير الناس من تعلمه وعلمه، مکث أبو عبد الرحمن السلمي - رحمه الله - سبعين سنة يعلم كتاب الله طلبا للخيرية.
تتنزل السكينة وتغشى الرحمة وتحف الملائكة بمدارسته وتلاوته، الماهر به مع السفرة الكرام البررة، تلاوته من خیر القرب، بكل حرف منه حسنة مضاعفة، ومنزلة قارئه في الآخرة عند آخر آية رتلها في دنياه، تعلمه خير من جمع المال والحطام يقول النبي : «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان - أو إلى العقيق - فيأخذ ناقتين كوماوین زهراوين بغير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: كلنا یا رسول الله قال : فلإن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آية من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وإن ثلاثا فثلاث مثل أعدادهن من الإبل» (متفق عليه)
لقد بلغ القرآن الغاية في البلاغة والفصاحة، يعجب منه البلغاء، ويفهمه العامة والبسطاء، فأي كتاب يمكن أن يستوعب أفهام البشرية جميعا في عصور متتابعة، على اختلاف مداركهم وأماكنهم ولغاتهم وتنوع معارفهم؟! لما سمعه عقبة بن ربيعة قال : «والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة»، وحين طلب المشركون من رسول الله معجزات حسية من تفجير الأنهار وإسقاط السماء جاءهم الخبر : {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتب يتلى عليهم} [العنكبوت : الآية 51]،
إنه کتاب میسر (ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر ) [القمر: الآية 17]،ومع هذا لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، تلاوته شفاء للنفوس من الشهوات ، ودواء للقلوب من الأهواء والشبهات، وعلاج للأبدان من الأمراض والآفات (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: الآية ۸۱].
وإن أحسن الحديث كتاب الله، وقد أفلح من زينه الله في قلبه، يقول الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو»، وعلى قارئه الاتصاف بالصدق والإخلاص وقيام الليل ديانة وأمانة لما في جنبيه، ولن تجد طعم السعادة حتى تكون على طاعة ربك مديما التلاوة كتاب ربك . فداو مرض المخالفة بالتوبة، والغفلة بالإنابة، وتمسك بحبل القرآن في الشدائد، فكل حبل سواه مهین، واجعل في دارك نصيبا من القرآن يقول النبي : «مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت» (رواه مسلم).
وعطر لسانك بتلاوته وتدبر معانيه، واستمسك بهديه وأحكامه تظفر ببشرى الدنيا والآخرة.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وكتب أنزلته إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} ص [الآية ۲۸] .