تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٤ : ٢٣٧ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

https://youtu.be/e6sINoWSRrY?si=CNBjNj-bRd1SaNmK
https://youtu.be/Fys7-mZRTq8?si=cWcUM-44wzpd_v88
سورة البقرة ٢٣٤ : ٢٣٧
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٤ : ٢٣٧ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٤ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
اَلْآيَاتُ تُكْمِلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى
نَجِدُ أَنَّ عِدَّةَ الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ ، وَهِيَ أَقْصَى مُدَّةٍ تَتَحَمَّلُهَا الْمَرْأَةُ ، فَلَا تَتَزَيَّنُ فِي بَيْتِهَا ، وَلَا تَخْرُجُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ شَدِيدَةٍ ، وَلَا تَبِيتُ خَارِجَ بَيْتِهَا ، وَلَا تَقْبَلُ خِطْبَةُُ ، وَفَاءً لِحَقِّ زَوْجِهَ عَلَيْهَا ، وَتَكْرِيمًا لِحَيَاتِهِمَا الزَّوْجِيَّةِ .
فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى انْتِظَارَ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَقْصَى مُدَّةٍ تَتَحَمَّلُهَا الْمَرْأَةُ .إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَلَا تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ شَدِيدَةٍ ، وَلَا تَبِيتُ عِنْدَ أَهْلِهَا أَوْ خَارِجَ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ
وَلَا تَبِيتُ أَثْنَاءَ الْعِدَّه إِلَّا فِي بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا تَتَزَيَّنُ . فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْ انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ ، فَهِيَ حُرَّةٌ طَلِيقَةٌ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَيَّنَ فِي بَيْتِهَا ، فَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الزِّينَةِ ، وَلَهَا أَنْ تَتَجَمَّلَ فِي حُدُودِ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهَا ، فَتَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَبِيتَ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا أَوْ خَارِجَ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَلْيَتَقَدَّمَ مَنْ يُرِيدُ خِطْبَتَهَا رَسْمِيًّا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي رَحْمَتِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ يُخْبِرُهَا أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُهُ حَتَّى تَسْتَغِلَّ حُرِّيَّتَهَا بِحِكْمَةٍ وَبِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى .
تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٥ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
أَوَّلًا : مَعْنَى كَلِمَةِ ( عَرَضْتُمْ ) فِي الْآيَةِ هُوَ التَّعْبِيرُ بِالتَّلْمِيحِ لَا بِالتَّصْرِيحِ ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْآيَةِ هُوَ تَلْمِيحُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ بِالزَّوَاجِ مِنْهَا لَا بِالتَّصْرِيحِ .
أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجَةِ فِي الْعُدَّةِ ، سَوَاءٌ الزَّوْجَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا ، أَوْ الزَّوْجَةُ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا
فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنْ إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِخِطْبَتِهَا أَوْ أَخْفَى فِي نَفْسِهِ رَغْبَتَهُ فِي الزَّوَاجِ مِنْهَا ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ لِخِطْبَتِهَا بَعْدَ الْعُدَّةِ ، فَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلرَّجُلِ أَنْ يُلَمِّحَ لَهَا بِالزَّوَاجِ مِنْهَا ، فَقَطْ بِالتَّلْمِيحِ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا ، وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الرَّجُلَ أَنْ يُصَرِّحَ أَوْ يَقُولَ صَرَاحَةً أَلَّا تَأْخُذِي عَلَيْهِنَّ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجْنَ غَيْرَكِ ، أَوْ يَقُولَ لَهَا : تَزَوَّجِينِي ، بَلْ يَكْتَفِي بِالتَّلْمِيحِ .
مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَمْدَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَعُدَّ مَحَاسِنَهَا بِأَلْفَاظٍ لَا تُعَدُّ خُرُوجًا عَنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ . لِذَلِكَ فَإِنَّ التَّلْمِيحَ إِلَيْهِ مُفِيدٌ فِي أَنَّهُ يُخْبِرُ الْمُطْلَقَةَ بِرَأْيِ شَخْصٍ مَا فِيهَا ، حَتَّى إِذَا جَاءَهَا غَيْرُهُ لَمْ تُوَافِقْ عَلَيْهِ فَوْرًا .
وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدَمِ إِجْرَاءِ أَيِّ عَقْدِ زَوَاجٍ ، كَتَحْدِيدِ مَوْعِدٍ أَوْ التَّفْكِيرِ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلزَّوَاجِ ، وَكُلُّ هَذَا يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعُدَّةِ .
فَإِنَّكَ قَدْ تَنْوِي الزَّوَاجَ مِنْهَا وَتَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَتَّخِذْ الْأَمْرَ حَتْمِيًّا ، إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، فَإِذَا انْتَهَى الْأَجَلُ الْمَكْتُوبُ وَانْتَهَتْ عِدَّتُهَا ، فَاعْقِدْ الْعَزْمَ عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ ضَعْفَ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ وَأَنَّهَا قَدْ تَضْعُفُ أَحْيَانًا ، وَلِأَنَّهُ اللَّهُ الْحَلِيمُ عَلَى الْبَشَرِ ، فَإِنَّهُ يُحَذِّرُ اَلْإِنْسَانَ مِنْ غَضَبِهِ ، وَلِذَلِكَ يُعْطِي اَللَّهُ تَعَالَى اَلْفُرْصَةَ لِلنَّفْسِ اَلْبَشَرِيَّةِ لِلتَّوْبَةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ اَلْغَفُورُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَلِيمُ .
تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٦ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لِتَتَحَدَّثَ عَنْ الزَّوْجَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، أَيْ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا نِكَاحَهَا فَقَطْ وَلَمْ يُمْسِسْهَا ، وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهَا مَهْرٌ ، أَيْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مَهْرِهَا ، وَمَا دَامَ لَمْ يُحَدَّدْ لَهَا مَهْرٌ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ نِصْفَ مَهْرِ أَقْرَانِهَا مِنْ النِّسَاءِ ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمْتَاعُ فِي حُدُودٍ تُنَاسِبُ حَالَ الزَّوْجِ ؛ الْغَنِيِّ : عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مَا يُنَاسِبُ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ ، الْفَقِيرُ : عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ فِي حُدُودِ
قُدْرَتِهِ
.تَفْسِيرُ آيَةِ ٢٣٧ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ تُمَسَّ وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَهْرِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ الْمَهْرِ إِلَّا إِذَا عَفَّتْ عَنْ زَوْجِهَا أَوْ عَفَا الزَّوْجُ .
وَالْمُبَادَلَةُ فِي الْإِعْفَاءِ تَكُونُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ ، بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَنَفْهَمُ مِنْهَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ ، فَكَمَا أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحَقَّ فِي الْإِعْفَاءِ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهَا ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ الْحَقَّ فِي الْإِعْفَاءِ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي لَهُ وَدَفْعِ الْمَهْرِ كَامِلًا ، وَهَذَا الْإِعْفَاءُ مِنْ التَّقْوَى لِأَنَّهُ مِنْ الْمُمْكِنِ جِدًّا أَنْ يَظُنَّ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَنَّهُ مَظْلُومٌ وَلَوْ أَخَذَ النِّصْفَ الَّذِي لَهُ ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى وَأَسْلَمُ .
يُرِيدُ اللَّهُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدَّرَ لَهُمَا الِانْفِصَالَ وَعَدَمَ إِكْمَالِ حَيَاتِهِمَا أَنْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بِالرِّفْقِ بَيْنَهُمَا وَتَقْوَى اللَّهِ فِي اتِّخَاذِ الرَّحْمَةِ ، فَالتَّنَازُلُ عَنْ بَعْضِ الْحُقُوقِ قَدْ يَجْعَلُ الِانْفِصَالَ بَيْنَهُمَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَا ضَغِينَةٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ أَسْبَابًا لِأَمْرٍ مُمْكِنٍ لَا نَعْلَمُهُ .