تفسير الآية ٢٥٦: ٢٥٨ من سورة البقر

https://youtu.be/kuj_VYIC-2c?si=Oy75bgqsh2jTLzjp
https://youtu.be/MPGSGEs4bB8?si=MqcOiKarAiMwoYsp
سورة البقرة آية ٢٥٦ : ٢٥٨
{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
تفسير الآية ٢٥٦: ٢٥٨ من سورة البقرة
تفسير الآية ٢٥٦ من سورة البقرة
معنى هذه الآية أن الله خالقهم لم يُجبر خلقه على اتباع دين، بل كان من الممكن أن يُخضعهم لإرَادتهم كما سخر السموات والأرض، والحيوان والنبات والجماد. لا يعصي الله أحد. يريد الله عز وجل منا أن نعبده حبًا واختيارًا، لا أن نُجبر عليه. ومن يلجأ إليه طوعًا مع قدرته على الامتناع عنه دليل على محبته.
أرسل إلينا رسلًا بلغوا رسالة الله، واعلموا الناس بوحدانية الله، وأنه خالقهم ورازقهم، وأن الأمر كله بيده. علّموا الناس أوامر الله لِيتبعوها وينَفذوها، فافعلوا ما أمر الله به، واجتنبوا ما نهى عنه. فَأخبروهم أن من فعل ذلك فهو من المؤمنين الذين يدخلون الجنة، وأن من عصى أوامر الله فقد ظلم نفسه وأفسد المجتمع بكفره، ولذلك سيعاقب عقابًا شديدًا.
وبعد أن يتعلم الإنسان طريق النور وهو الإيمان، ويفهم أن الدين التزام، فإن المؤمن عندما يلتزم بالإيمان، يكون مسؤولاً عن تحقيق شرط. الإيمان وتنفيذ ما أمره الله به، وأن الإيمان صعب ويتطلب صبرًا، لكن المؤمن يصبر لأن غايته النهائية هي الجنة. كما يعلم أن عكس هذا الطريق هو طريق الضلال الذي عاقبته العذاب. وعليه أن يختار. فبعض الناس يختار الإيمان والنور وطريق الجنة. والبعض الآخر ينخدع بالدنيا وملذاتها فَيختارها، وهو أسهل الطرق لأنهم لا يريدون الالتزام بأحكام الله تعالى، ومأواهم الأخير هو الجحيم.
لقد تعلموا طريق الهداية المؤدي إلى الجنة، وتعلموا طريق الضلال وهو الكفر المؤدي إلى النار. يُطمئن الله المؤمنين ويُقوي إيمانهم حتى لا يضعفوا تحت وساوس الشياطين الكافرة. ويؤكد الله تعالى أنهم على الطريق الصحيح بالتمسك بعبادة الله وترك الظلم الذي هو الظلم الشديد. وأعظم الظلم ظلم الكافر لنفسه ولمن حوله ولمن يحاول أن يصده عن الإيمان. يُقوي الله المؤمنين ويؤيدهم بحبهم لله وثقتهم به. يتمسكون بالله ودينه، واثقين بمحبته لهم وتأييده لهم. ويُطمئنهم أنه بهذا التمسك لن يفارقهم إيمانهم، لأن الإيمان بالله ودينه قوة إلهية.
ويخبرهم الله أيضًا أنه معهم، سميع عليم. هذا المعنى يُطمئن المؤمن ويُؤكد أن الله معه ويسمعه، ويُحذره من الردة، لأنه يسمع وسوسة الشيطان فيه، ويعلم إن كنتَ أيها المؤمن ستضعف، أو إن كان إيمانك وحماسك سيزدادان، وإن كنتَ ستتخلى عن الطاغية الذي يوسوس لك، وهو الشيطان، أو إن كان من الكفار الذين يسعون إلى إضعاف إيمانك وكفرَك بالله
تفسير الآية ٢٥٧ من سورة البقرة
تطمئن هذه الآية المؤمنون الذين آمنوا واتبعوا الله ودينه بأن الله وليهم، أي ناصرهم. يحبهم، ويستجيب لهم، وينصرهم. هو وليهم، بناءً على براهين الإيمان التي أراهم إياها. قبل أن نؤمن، يُعطينا الدليل. إذا آمنا، ينصرنا، وإذا قاتلنا عدونا، فهو معنا.
بعد ذلك، تستمر ولايته حتى يُجازينا أوفى الجزاء في الآخرة. في الآخرة، هو ولينا بالحب والكرم، ويُنعم علينا بعطايا لا تُحصى. ولاية الله على المؤمنين لا حدود لها. فهو سبحانه يُخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان. أما الذين كفروا، فيُخرجون من النور، وهو نور الإيمان الفطري، إلى ظلمات الجهل.
ولم يكتفوا بذلك، بل دفعوا المؤمنين إلى الكفر، راجين أن ينصرفوا عن إيمانهم لضعف إيمانهم، فَيستعدون للانقلاب عن إيمانهم بالله ودينهم. وكان من السهل على الكافرين استغلال ذلك ودفعهم إلى الكفر، فَتركوا الإيمان بسهولة واختاروا الظلمة، ومن السهل جدًا على الشيطان أن يوسوس لهم ويقودهم إلى ظلمات الكفر، والكفر يحول بينهم وبين نور الإيمان. هؤلاء هم أهل النار، خالدين فيها، كأن جهنم قرينتهم، لا تفارقهم، بل تعشق أجسادهم في العذاب.
الآية ٢٥٨ من سورة البقرة
القصة الأولى
يروي الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، من خلال الوحي في القرآن الكريم، ثلاث قصص تُظهر قدرة الله. والغرض العام من هذه القصص هو طمأنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومساعدته في رسالته، وتعريف الناس بالله وقدرته، وتشجيع إيمان من في قلوبهم نور، وتقوية إيمان المؤمنين بالله، أو التعلم منهم ما يُقرّبهم إلى رضوان الله وجنته.
وتتجلى قدرة الله تعالى في هذه القصص الثلاث. تبدأ القصة الأولى بـ "ألم تر؟" فيقول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: "ألم تر؟" هذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع قصة حدثت قبل مئات السنين، ويصدقها كأنه يراها، لأن الراوي هو الله عز وجل. فيقول للرسول الكريم: "ألم تر يا محمد؟ رجل حاج إبراهيم في ربه". بسؤاله: "من الله؟" تلاحظ هنا في هذه الآية أن القرآن لم يذكر اسم من حاج إبراهيم في ربه. ولأن القرآن قد أخفى اسمًا أو مكانًا أو زمانًا أو أي معلومة أخرى، فمن الحكمة إخفاؤها، فالقرآن دقيق لا يذكر إلا ما نتعلمه ونستفيده. إما أن الله يخفيها ليمنح الناس حرية التفكير، فالقرآن ليس مجرد نقل أوامر ونهى، وتطبيق أوامر الله يكون بالقوة أو الإكراه.
بل إن الله منح عباده القدرة على التفكير والتفكر، ولذلك يخفي الله معلومة أحيانًا ليمنح الناس مساحة للتأمل. لذلك، اجتهد العلماء في القول بأن من جادل إبراهيم هو النمرود. إلا أن القصة تحكي عن رجلٍ وهب الله له الملك والسلطان، لكنه استكبر وكفر، وظن أنه الإله الذي ينبغي للناس عبادته. ولا يؤثر ذكر اسمه أو عدم ذكره على العبرة المستفادة من القصة، لأن حكمة الله في ذلك، كما شرحنا وأوضحنا. هذه الآية هي الأولى من ثلاث قصص تُظهر قدرة الله. القصة الأولى عن رجل وهب الله له الملك، لكنه استكبر حتى لم يعترف بوحدانية الله، بل ظنه إلهًا. فجادل إبراهيم ربه، أي سأل وجادل بجدال وتحدي، وسأل عن ربه، أي سأل من هو ربه؟ فكان جواب إبراهيم: ربي يُحيي ويُميت.
قال النمرود: أنا أُحيي وأميت. سأله إبراهيم: كيف تُحيي وتُميت؟ أجاب الرجل: "أنا قادر على قتل أسراي، ولكني قادر على منعهم، فمن لم أقتله فكأنما أحييته، ومن قتلته فكأنما أحييته". كان بإمكان إبراهيم أن يرد عليه ويقول له: "ولكنك لن تستطيع إحياء روحه". ولأن تفكير نمرود كان سطحيًا وضعيفًا، انتقل إبراهيم إلى سبب آخر لكبح جماح تفكيره ومنعه من الرد. لكن قبل أن أنتقل إلى السبب الآخر في الآية، يجب أن نعلم أن الآية التالية قصة توضح لنا أن الله يحيي ويميت. ومن حكمة الله أنه ألهم إبراهيم ألا يطيل هذا الجدل. لأن الجواب على قدرة الله على إحياء الموتى سيأتي في الآيتين التاليتين بتفصيل ودقة، لأن القرآن دقيق ويأتي بكل شيء في وقته. ثم انتقل سيدنا إبراهيم إلى سبب آخر كبح جماح تفكيره، فلم يستطع الرد، وانتهت الحجة.
قال إبراهيم إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فطلب منه إبراهيم أن يأتي بها من المغرب. فلما سمع نمرود ذلك دهش، أي تعجب في بادئ الأمر، ثم احتار في كيفية الرد، فهزمه إبراهيم. وهذا ليس بغريب، فإن الله نصر سيدنا إبراهيم لأن الله تعالى هو ولي المؤمنين، وهزم الكافر لأن ولي الكافر هو الشيطان، فلا يهديه الله إلى برهان ولا دليل ولا حجة، لأن الله لا يهدي الظالمين لأن أعلى درجات الظلم ظلم الكافر لنفسه ولمن حوله.