كفلاء الحبيب محمدصلى الله عليه وسلم
لقد عادت بالحبيب صلى الله عليه وسلم مرضعته حليمة السعدية ، لتكفله امه آمنة، ويرعاه جده عبدالمطلب ، والله تعالى كالئ الكل وحافظهم ، وبهذا كانت آمنه الوالدة اول كافل للنبي صلى الله عليه وسلم في صباه، وشاء الله تعالى أن تخرج آمنة بغلامها الزكي النقي ،الطاهر إلى يثرب (المدينة النبوية) لتزيره أخواله من بين عدي بن النجار ؛ إذ هم اخوال ابيه ، وخال الأب خال الابن ، لأن أم عبدالمطلب والد عبدالله هي سلمة بنت عمرو النجارية ، ولما وصلت آمنة الأبواء _عائدة من المدينة إلى مكة ادركتها المنية فماتت بها ، وحضنت الحبيب محمدآ الغلام اليافع مولاة أبيه ام ايمن بركة (باركها الله ورضي عنها ) إنها ام أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن حبه زيد بن حارثة مولاه ( رضي الله عنه وأرضاه )، فوصلت به حضانته أم أيمن مكة المكرمة ، فسلمته إلى جده عبدالمطلب ، فكفله ،فكان ثاني الكفلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولقد لقي محمد الغلام الطاهر من الحفاوة ، والتكريم ، والإجلال ، والتقدير من جده الكفيل ما لا يقادر قدره ، ولا يعرف مداه .ومات الجد الرحيم ، والكافل الكريم ، وسن النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنوات ليكفله ، بوصية خصوصية من عبدالمطلب عمه أبوطالب وهو شقيق أبيه ، فكان ابو طالب ثالث الكفلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صباه ، ومازال في كفالته حتى بلغ سن الرشد ، ثم لازم ابو طالب العم الكفيل ، فلم يتركه ، ولم يسلمه لقريب ولا لبعيد حتى قبضه الله في السنة الحادية عشرة من البعثة النبوية العظيمة ، ومات ابو طالب ، مع الأسف،على غير ملة الإسلام لما سبق في قضاء الله تعالى أنه يموت غير مسلم ، ولا راد لما قضى الله .
إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة
نتائج وعبرًا هي كتالي :
(١) بيان يتم النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذمات والده وهو حمل لم يولد بعد ، وماتت والدته وهو في السادسة من عمره ، وفي القرآن الكريم : (( أَلَم يَجِدكَ يَجِدكَ يَتِيمًافَئَاوى)) (الضحى :٦)
(٢)بيان من شرف الله تعالى بكفالة نبيه أيام الطفولته صلى الله عليه وسلم.
(٣) بيان شرف بركه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أكرمها الله بحضانته بعد وفاة أمه صلى الله عليه وسلم. (٤) تقرير عقيدة القضاء والقدر ؛ وأن السعيد من سعد في بطن أمه ؛ والشقيُ من شقي في بطن أمه كذلك ؛ إذ رفعت الأقلام وجفت الصحف بما هو كائن .
(٥) بيان أن فعل الخير لا يعدم فاعله جوازيه فإن ابا طالب أخبر النبي صلى الله عليه .عنه انه في النار لموته على غير الإسلام ،وأخبر انه يخفف عنه العذاب ؛ لما قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عون وحماية طيلة حياتة في مكة .
مظاهر الكمال المحمدية قبل النبوة ،
ان فترة التي قضاها الحبيب صلى الله عليه وسلم من ايام طفولته إلى يوم مبعثه ، كانت حقازاخرة بمظاهر الكمالات المحمدية، وكلها دلائل لنبوته ، وآيات كمالاته ، وها نحن نستعرض مع القارئ الكريم طرفا منها ؛ طلباً لكمال محبته واليقين في الإيمان به صلى الله عليه وسلم. وان اول تلك المظاهر الكمالية: الاستقساء به صلى الله عليه وسلم وهو طفل لم يبلغ بعد ، فقد ذكر الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. مختصره أن ابن عساكر روى جلهمة بن عرفطة قال :قدمت مكة وهم في قحط ، فقالت قريش : يا أبا طالب اقحط الوادي ، وأجدب العيال ، فَهَلُمَّ فاستسق ، فخرج ابو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلب عنه سحابة قتماء حوله أغيلمة ، فأخذه ابو طالب ، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأصبعه الغلام ، ومافي السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا وأغدق ، وانفجر الوادي ، وأخصب النادي والبادي ،وفي هذا قال ابو طالب : وابيض يستسقى الغمامُ بوجه ثمال اليتامى عصمة للأراملِ .
فهذه إحدى الكرامات الإلهية للحبيب صلى الله عليه وسلم وهو مظهر من مظاهر الكمال ؛ إذ الهم الله تعالى ابا طالب أن يستسقي به صلى الله عليه وسلم وهو طفل ، فيأخذه ويأتي به إلى الكعبة ، ويلصق ظهره بها ويرفع الغلام بين يديه ، ولسان حاله يقول : اسقنا ربنا ؛ فقد توسلنا إليك بهذا الغلام المبارك ، فيسقيهم الله تعالى حتى يجري واديهم ؛ وتخصب أراضيهم ،فكانت هذه من طلائع النبوة وتباشيرها.
ان نتيجة هذاالمظهر من مظاهر الكمال المحمدي ؛وتأكيدها ؛لتثمر بعد ذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وتعلق القلب به حتى يكون أحب إلى المرء من نفسه التي بين جنبيه، ويصبح المحب مستعدًّا نفسًا لترك ما يحب لمحبوبه صلى الله عليه وسلم ، وبذلك تتم الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته فيما جاء عقيدةً وعباداً وخلقاً وأدبًا وهذه سبيل النجاة من المرهوب ، والظفر بالمحبوب في الدارين ،وتلك غاية الطالبين الصالحين .