قصة الرجل الدي عرف ربه

قصة الرجل الدي عرف ربه

0 المراجعات

"الرجل الذي عرف ربه"

***********

كان الرجل مريضاً بمرض عِضال لا يُعرَف له علاجاً .. فكلما جلس في مكان قال له الناس - رائحتك كريهة .. ألا تستحم ..

و تردد على الأطباء و فحص الأنف و الجيوب و الحلق و الأسنان و اللثة و الكَبِد و الأمعاء .. و كانت النتيجة .. لا مرض في أي مكان بالجسد .. و لا سبب عضوياً مفهوم لهذه الرائحة .
و كان يتردد على الحمام عدة مرات في اليوم و يغتسل بأغلى العطور فلا تُجدي هذه الوسائل شيئاً ..
و لا يكاد يخرج إلى الناس حتى يتحول إلى قبر مُنتِن يهرب منه الصديق قبل العدو .

و ذهب يبكي لرجل صالح .. و حكى له حكايته .. فقال الرجل الصالح .. هذه ليست رائحة جسدك .. و لكن رائحة أعمالك .

● فقال الرجل مندهشاً :  و هل للأعمال رائحة ؟ !

● فقال الرجل الصالح :  تلك بعض الأسرار التي يكشف عنها الله الحجاب .. و يبدو أن الله أحبك و أراد لك الخير و أحب أن يُمهِد لك الطريق إلى التوبة .

● فقال الرجل معترفاً :  أنا بالحق أعيش على السرقة و الإختلاس و الربا و أزني و أسكَر و أُقارِف المنكرات .

● قال الرجل الصالح :  و قد رأيت .. فهذه رائحة أعمالك .

● قال الرجل :  و ما الحل ؟

● قال الصالح :  الحل أصبح واضحاًَ ، أن تُصلِح أعمالك و تتوب إلى الله توبة نصوحاً .

و تــاب الرجل توبة نصوحاً و أقلع عن جميع المنكرات و لكن رائحته ظلت كما هي .. فعاد يبكي إلى الرجل الصالح ..

● فقال له الرجل الصالح :  لقد اصلحت أعمالك الحاضرة ، أما أعمالك الماضية فقد نفذ فيها السهم .. و لا خلاص منها إلا بمغفرة .

● قال الرجل :  و كيف السبيل إلى مغفرة ؟

● قال الصالح :  إن الحسنات يُذهِبنَ السيئات فتصدق بمالك .. و الحج المبرور يَخرُج منه صاحبه مغفور الذنوب كيوم ولدته أمه .. فاقصد الحج .. و اسجد لله .. و ابك على نفسك بعدد أيام عمرك ..

و تصدَّق الرجل بماله و خرج إلى الحج .. و سجد في كل ركن بالكعبة و بكى بعدد ايام عمره ..
و لكنه ظل على حاله تعافه الكلاب و تهرب منه الخنازير إلى حظائرها .. فآوَى إلى مقبرة قديمة و سكنها و صمم ألا يبرحها حتى يجعل الله له فرجاًَ من كَربِه .

و ما كاد يُغمِض عينيه لينام حتى رأى في الحلم الجُثث التي كانت في المقبرة تجمع أكفانها و ترحل هاربة .. و فتح عينيه فرأى جميع الجُثث قد رحلت بالفعل و جميع اللحود فارغة .. فخَرَ ساجداً يبكي حتى طلع الفجر .. فمر به الرجل الصالح ..

● و قال له :  هذا بكاء لا ينفع .. فإن قلبك يمتلئ بالإعتراض .. و أنت لا تبكي إتهاماً لنفسك .. بل تتهم العدالة الإلهية في حقك .

● قال الرجل :  لا أفهم !!

● قال الصالح :  بالضبط .. إن عدل الله أصبح محل شبهة عندك .. و بهذا قَلَبتَ الأمور فجعلت الله مذنباً و تصورت نفسك بريئاً ..
و بهذا كنت طول الوقت تضيف إلى ذنوبك ذنوباً جديدة في الوقت الذي ظننت فيه أنك تُحسِن العمل .

● قال الرجل :  و لكني أشعر بأني مظلوم .

● قال الصالح :  لو اطلعت على الغيب لوجدت نفسك تستحق عذاباً أكبر .. و لعرفت أن الله الذي ابتلاك لطف بك .. و لكنك اعترضت على ما تجهل و اتهمت ربك بالظلم .. فاستغفر و حاول أن تُطَهِر قلبك و أسلِم وجهك ..
فإنك إلى الآن و رغم حجك و صومك و صلاتك و توبتك لم تُسلِم بعد .

● قال الرجل :  كيف .. ألستُ مسلماً ؟ !

● قال الصالح :  نعم لست مسلماً ، فالإسلام هو إسلام الوجه قبل كل شئ ..
و ذلك لا يكون إلا بالقبول و عدم الإعتراض و الإسترسال مع الله فى مقاديره و بأن يستوي عندك المنع و العطاء ، و أن ترى حكمة الله و رحمته في منعه كما تراه فى عطائه ، فلا تغتر بنعمة .. و لا تعترض على حرمان ..
فعدل الله لا يختلف ، و هو عادل دائماً فى جميع الأحوال و رحمته سابغة فى كل ما يُجريه من مقادير ..

فقل لا إله إلا الله ثم استقم . . ذلــك هـو الإســـلام .

● قال الرجل :  إنى أقول لا إله إلا الله كل لحظة .

● قال الصــالح :  تقولها بلسانك و لا تقولها بقلبك و لا تقولها بموقفك و عملك .

● قال الرجل :  كيــف ؟

● قال الصــالح :  إنك تناقش الله الحساب كل يوم و كأنك إله مثله ..

تقول له استغفرت فلم تغفر لى .. سجدت فلم ترحمنى .. بكيت فلم تُشفق غلىّ .. صليت و صمت و حججت إليك فما سامحتني .. أين عدلــك ؟

و ربت الرجل الصــالح على كتفيه قــائلاً : يا أخـي ليس هذا توحيداً .

التـوحيـد أن تكون إرادة الله هي عين ما تهوى و فعله عين ما تحب و كأن يدك أصبحت يده و لسانك لسانه .. التوحيد هو أن تقول نعم . و تصدع بالأمر مثل ملائكة العزائم دون أن تسأل لماذا .. لأنه لا إله إلا الله .. لا عادل و لا رحمن و لا رحيم و لا حق سواه .. هو الوجود و أنت العدم .. فكيف يناقش العدم الوجود .. إنما يتلقى العدم المدد من الوجود ساجداً حامداً شاكراً .. لأنه لا وجود غيره .. هو الإيجاب و ما عداه سلب .. هو الحق و ما عداه باطل .

فبكـى الرجل و قد أدرك أنه ما عاش قط و ما عبد ربه قط .

● قال الصــالح :  الآن عرفت فالزم .. و قل لا إله إلا الله .. ثم استقـم .. قلها مرة واحدة من أحشائــك .

● فقال الرجل :  لا إله إلا الله .

فتضوع الياسمين و انتشر العطر و ملأ العبير الأجواء و كأن روضة من الجنة تنزلت على الأرض .
و تلفت الناس .. و قالوا .. مَن هناك .. مَن ذلك الملاك الذى تلفه سحابة عِطر .

● قال الرجل الصــالح :  بل هـو رجـل عــرف ربـه .

د / مصطفى محمود رحمهُ الله .. 
من كتاب / نقطة الغليان.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

111

متابعين

130

متابعهم

6

مقالات مشابة