
قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب: من غضب عابر إلى إيمان راسخ
حمزة بن عبد المطلب، عم النبي محمد ﷺ، وأحد أبطال قريش وأشجع رجالها. كان محبوبًا في مكة، عزيزًا بين قومه، صاحب هيبة وشرف. لم يكن في بداية الدعوة من المسلمين، لكنه لم يكن أيضًا من المعادين لها. لكنّ حادثةً واحدة كانت كفيلة بأن تغيّر كل شيء.
كان النبي ﷺ يعاني من أذى قريش، وكان أبو جهل على رأس المؤذين. وذات يوم، وبينما كان النبي عند الكعبة، قام أبو جهل بشتمه وضربه علنًا، ولم يتدخل أحد. سمع حمزة بالخبر عند عودته من رحلة صيد، فاستشاط غضبًا، ليس فقط لأنه ابن أخيه، بل لأنه لم يكن من شيم قريش أن يُهان من في حماك وأنت صامت.
دخل حمزة الكعبة ومعه قوسه، واتجه مباشرة إلى أبي جهل، فضربه بها على رأسه وقال:
“أتشتم محمدًا وأنا على دينه؟!”
لقد نطق بها حمزة في لحظة غضب، لكنه عاد إلى بيته مهمومًا. جلس يفكر، يسأل نفسه: هل أنا حقًا على دين محمد؟ هل ما قلته كان اندفاعًا أم قناعة؟ فكر كثيرًا، ثم ذهب إلى النبي ﷺ وسأله عن الإسلام، فقرأ عليه النبي بعض آيات القرآن. هنا شعر حمزة بأن هذه الكلمات ليست من كلام البشر، وأن القلب لا يكذب حين يخفق للحقيقة.
نطق حمزة بالشهادتين عن قناعة هذه المرة، وأصبح من أقوى المدافعين عن النبي ﷺ. وكان لإسلامه أثر كبير في تقوية المسلمين، فقد كان رجلًا ذا مكانة، لا يُستهان به. بعده، بدأ المسلمون يظهرون بعض العلانية في دعوة الناس، لأن حمزة كان درعًا منيعًا لهم.
شارك حمزة في كل المعارك مع النبي ﷺ، وكان في مقدمة الصفوف. وفي غزوة بدر، أبدع في القتال وأظهر شجاعة نادرة. لكن الحدث الأعظم كان في غزوة أحد، حين استُشهد حمزة على يد وحشيّ بن حرب، بتحريض من هند بنت عتبة، انتقامًا لقتل أبيها في بدر.
قُتل حمزة بطريقة بشعة، ومُثّل بجسده، فحزن النبي ﷺ حزنًا شديدًا، وبكى عند قبره، وقال:
“لن أصاب بمثلك أبدًا.”
وسمّاه “أسد الله وأسد رسوله.”
بعد إسلام وحشي لاحقًا، جاء إلى النبي ﷺ، فأخبره بقصة قتل حمزة، فقال له النبي:
“غيب وجهك عني.”
وإن دلّ ذلك على شيء، فعلى عمق العلاقة التي كانت بين النبي ﷺ وحمزة، وكم كان يحبه ويعتز به.
حمزة لم يكن مجرد محارب، بل كان مؤمنًا صدوقًا، دخل الإسلام دفاعًا، ثم مات من أجله. لم يطلب شهرة، ولا مكانة، بل صدق في إيمانه، وكان من أوائل من قدّم روحه فداء لهذا الدين.
الخلاصة، أن قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب تُظهر كيف يمكن للحظة غضب أن تكون بابًا للهداية، وكيف أن الحميّة للحق قد تتحول إلى إيمان راسخ. هي قصة الرجولة في أبهى صورها، والوفاء في أعلى درجاته، والإيمان حين يُثبت بالدم لا بالكلام.