
قصة أصحاب الأخدود: ثبات الإيمان أمام بطش الطغاة
قصة أصحاب الأخدود من أعظم القصص القرآنية التي تحدثت عن الصبر والثبات على الدين رغم شدة الابتلاءات. ذكرها الله في سورة البروج بقوله:
"قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ."
تبدأ القصة بملك من الملوك الجبابرة، كان يحكم قومًا بظلم واستبداد. أراد أن يفرض على شعبه عبادة الأوثان، وجعل له ساحرًا كبيرًا يُعلّم الناس السحر ليخدعهم ويثبت سلطانه. لكن الساحر لما كبر في السن طلب من الملك أن يرسل له غلامًا ذكيًا يتعلم السحر ليحل مكانه بعد وفاته.
اختار الملك غلامًا كان يتميز بالذكاء وقوة الملاحظة، وبدأ الغلام يتعلم السحر على يد الساحر. وفي طريقه يوميًا إلى مجلس الساحر، كان يمر براهبٍ صالحٍ يعبد الله وحده، فجلس معه يومًا وسمع كلامه عن التوحيد والإيمان، فأعجب به قلب الغلام. بدأ يتردد على الراهب كلما مرّ في طريقه، وأخذ يتعلم منه الحق، حتى امتلأ قلبه بالإيمان بالله وحده.
وذات يوم واجه الغلام دابة عظيمة تسد الطريق على الناس، فأراد أن يعرف أي الطريقين هو الحق: طريق الساحر أم طريق الراهب؟ فأخذ حجرًا وقال: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة ليتمكن الناس من العبور." فرمى الحجر فماتت الدابة في الحال، وعلم الغلام أن طريق الراهب هو الحق.
بعدها بدأ الغلام يعالج الناس بإذن الله، حتى اشتهر أمره، ووصل خبره إلى الملك. أراد الملك أن يعرف مصدر هذه القوة، فاكتشف أن الغلام يدعو إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام. غضب الملك وهدده بالعذاب والموت إن لم يرجع عن دينه، لكنه رفض وثبت على الحق.
أمر الملك جنوده أن يأخذوا الغلام إلى قمة جبل ليلقوه من أعلاه، لكن الغلام دعا الله فنجاه، فسقط الجنود وهلكوا. فأمرهم الملك أن يذهبوا به في سفينة ويلقوه في البحر، فدعا الله فغرق الجنود ونجا الغلام.
أخيرًا قال الغلام للملك: "لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به: اجمع الناس في صعيد واحد، وخذ سهمًا من كنانتي، وضعه في القوس، وقل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك ستقتلني."
ففعل الملك ذلك، ومات الغلام، لكن الشعب بأكمله آمن بالله بعدما رأوا المعجزة. غضب الملك غضبًا شديدًا، فأمر بحفر أخاديد كبيرة في الأرض، وأشعل فيها النار، وألقى فيها كل من ثبت على الإيمان. فاستُشهدوا جميعًا، ليصبحوا رمزًا خالدًا للصبر والثبات على الحق.
الدروس المستفادة من القصة:
1. الإيمان الصادق أقوى من أي بطش أو تهديد.
2. الله ينصر عباده المخلصين ولو بعد حين.
3. الظالم مهما طغى سينهار أمام قوة العقيدة.
4. الدعوة الصادقة تبدأ بفرد صادق ثم تنتشر لتغير المجتمع بأكمله.
قصة أصحاب الأخدود تعلمنا أن الثبات على المبدأ والتمسك بالحق يستحقان التضحية، وأن الهداية الحقيقية قد تفتح القلوب مهما حاول الطغاة إطفاء نور الله، كما قال تعالى:
"يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ."