رفيدة الأسلمية.. رائدة التمريض والعمل التطوعي في الإسلام

رفيدة الأسلمية.. رائدة التمريض والعمل التطوعي في الإسلام

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

نسبها ونشأتها

تنتمي رفيدة إلى قبيلة بني أسلم، وكان والدها من أوائل من اعتنق الإسلام، فشبّت في بيت عرف نور الهداية مبكرًا. ويُذكر أنها كانت قريبة من رسول الله ﷺ، وأنها حظيت بشرف خدمته وخدمة أصحابه في ميادين الجهاد. نشأت على القيم الإسلامية الأصيلة: الإيمان، التضحية، والبذل في سبيل الله، وهذا ما انعكس جليًا في شخصيتها ومسار حياتها.

وقد تلقت بعض الخبرة في فنون التمريض والعلاج منذ نعومة أظفارها، سواء من بيئتها أو من تجاربها الذاتية، فاكتسبت مهارات في تضميد الجراح والعناية بالمرضى، فوظفت هذه الملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، لتكون بذلك السباقة إلى مجال لم يكن مطروقًا عند النساء من قبل.

دورها في غزوات المسلمين

حين كانت الغزوات تقع، كان الرجال يخوضون ساحات القتال، بينما تبرز الحاجة لمن يرعى الجرحى والمصابين. وهنا برزت رفيدة الأسلمية بعملها العظيم؛ إذ نصبت خيمتها بجانب مسجد رسول الله ﷺ في المدينة، عُرفت بـ"خيمة رفيدة"، لتكون أول مستشفى ميداني في تاريخ الإسلام.

كانت رفيدة تباشر علاج الجرحى بنفسها، تضمّد الجراح، وتوقف النزيف، وتعتني بالمصابين حتى يتعافوا. لم يكن عملها مجرد إسعافات أولية، بل كان عملًا إنسانيًا متكاملًا؛ إذ كانت تواسي الجرحى بكلمات الإيمان، تبث فيهم الصبر، وتغرس الأمل في قلوبهم.

ومن أشهر المواقف أن رسول الله ﷺ أمر بنقل سعد بن معاذ رضي الله عنه، سيد الأوس، إلى خيمتها ليُعالج بعد إصابته في غزوة الخندق. وظلت رفيدة تقوم على رعايته حتى آخر أيامه، مما يدل على الثقة العظيمة التي وضعها النبي ﷺ في مهارتها وإخلاصها.

منهجها في العمل التطوعي

ما يميز رفيدة الأسلمية أنها لم تكن تؤدي عملها بدافع مهنة أو مقابل مادي، بل كان عملها خالصًا لله تعالى، نابعا من روح المسؤولية تجاه أمتها. كان هدفها إنقاذ الأرواح وتخفيف آلام المصابين، فكانت بذلك قدوة في العمل التطوعي، ورائدة في مفهوم الخدمة الإنسانية.

كما لم يقتصر دورها على مداواة الجرحى فقط، بل قامت أيضًا بتدريب مجموعة من النساء والفتيات على فنون التمريض والإسعاف، لتتوسع دائرة الخدمة وتزداد الكفاءة في مواجهة الأزمات. وهذا يُظهر بعدًا إداريًا وتنظيميًا متقدمًا في شخصيتها.

مكانتها عند النبي ﷺ والصحابة

نال عمل رفيدة الأسلمية تقديرًا كبيرًا من النبي ﷺ، فقد أثنى على جهدها وعلى إخلاصها. كما كان الصحابة يعظمون دورها ويوقرونها، ويعرفون فضلها في خدمة الجرحى. كانت خيمتها مَعلمًا إنسانيًا في المدينة المنورة، يقصدها الجرحى والمصابون طلبًا للعلاج والرحمة.

وقد شكّل عملها نقلة نوعية في النظرة لدور المرأة في المجتمع الإسلامي؛ إذ أثبتت أن المرأة ليست مقصورة على البيت فقط، بل يمكن أن تكون شريكة في نهضة الأمة بما يتوافق مع تعاليم الدين.

دورها الحضاري

رفيدة الأسلمية لم تكن مجرد شخصية عابرة في سطور التاريخ، بل كانت نقطة انطلاق لمجال التمريض في الحضارة الإسلامية. فهي أول من أسس لفكرة الطب الميداني والرعاية الصحية المنظمة في أوقات الحروب، وكان لها السبق في وضع أسس العمل التطوعي الطبي.

لقد أرست بمسيرتها قاعدة عظيمة مفادها أن الرحمة والرعاية من صميم رسالة الإسلام، وأن المرأة المسلمة قادرة على أن تكون فاعلة ومؤثرة في المجالات الإنسانية. واستلهمت أجيال من النساء من بعدها روح العطاء والإيثار.image about رفيدة الأسلمية.. رائدة التمريض والعمل التطوعي في الإسلام

الدروس المستفادة من سيرتها

الإخلاص في العمل: فقد جعلت عملها خالصًا لوجه الله تعالى دون انتظار مقابل.

السبق في خدمة المجتمع: كانت أول من فتح باب التمريض الميداني، لتُظهر أن المبادرة تصنع الفرق.

دور المرأة في الأمة: أثبتت أن المرأة شريك أساسي في البناء الحضاري، لا سيما في الأعمال الإنسانية.

الرحمة والإنسانية: عكست سلوكياتها معاني الرحمة التي جاء بها الإسلام، حيث كان هدفها الأول تخفيف الألم عن الآخرين.

خاتمة 

رحم الله رفيدة الأسلمية، فقد تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الأمة، وجعلت من حياتها جسرًا لعبور الجرحى نحو الشفاء، وزرعت الأمل في قلوب المنكوبين. إن سيرتها تذكّرنا بأن أعظم الأعمال عند الله ليست في كثرة القول، بل في صدق الفعل وإخلاص النية. وما أحوجنا اليوم إلى استلهام روحها، لنحيي قيمة الرحمة في مجتمعاتنا، ونغرس حب البذل والعطاء، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ [البقرة: 110].

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

7

متابعهم

12

متابعهم

1

مقالات مشابة
-