زبيدة بنت جعفر.. سيدة بني العباس وصاحبة عين زبيدة

زبيدة بنت جعفر.. سيدة بني العباس وصاحبة عين زبيدة

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

نسبها ونشأتها

وُلدت زبيدة في بيت الخلافة العباسية عام 145هـ تقريبًا، فهي ابنة جعفر بن المنصور، وأبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس هو جدها. وقد نشأت في كنفٍ مترفٍ مليء بالعلم والثراء والنفوذ، حيث كان بيت الخلافة آنذاك مركزًا للعلماء والأدباء والمفكرين. تلقت زبيدة تعليمها في الفصاحة والبلاغة والقرآن الكريم، وتربت على حب الخير والكرم، فجمع الله لها بين شرف النسب وسعة المال وسموّ الطموح.

زواجها من هارون الرشيد

تزوجت زبيدة من الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكانت الزوجة الأثيرة لديه، ورفيقة دربه في مجالس العلم والسياسة. لم تكن مجرد زوجة خليفة في قصرٍ مليء بالجواري، بل كانت صاحبة شخصية قوية ورأي مسموع، ومكانة خاصة في قلب الرشيد، حتى قال فيها: "والله ما رأيت أكرم من زبيدة".

رزقت من الرشيد بابنهما محمد الأمين، الذي تولى الخلافة بعد أبيه، فازدادت مكانتها علوًا وشرفًا، إذ صارت أم ولي العهد، وكانت حريصة على تربيته وتعليمه.

شخصيتها ومكانتها في المجتمع العباسي

تميزت زبيدة بالذكاء والفطنة وحسن التدبير، وكانت لها بصمة واضحة في القصر العباسي. أحبها الناس لسخائها وكرمها، إذ كانت توزع الصدقات بسخاء كبير، حتى قيل إنها أنفقت في وجوه البر ما لم تنفقه أي امرأة من نساء عصرها.

لم تكن حياتها مقصورة على الترف والقصور، بل حملت هموم الأمة في قلبها، خصوصًا خدمة الحجاج والمعتمرين وزوار بيت الله الحرام. ومن هنا بدأ مشروعها العظيم الذي خلد اسمها في التاريخ.

عين زبيدة.. المشروع الخالد

كان الحجاج يعانون مشقة شديدة في الحصول على الماء أثناء توجههم إلى مكة المكرمة، خصوصًا في طريق الكوفة – مكة المعروف بـ"درب زبيدة"، حيث يشتد العطش وتنعدم المياه. رأت زبيدة ذلك بعينها في إحدى رحلات الحج، فقررت أن تبذل مالها في سبيل حل هذه المشكلة.

أمرت بحفر قناة مائية عظيمة، تمتد من عيون الماء في وادي نعمان بالقرب من الطائف، لتصل إلى مكة المكرمة وتغذي بئر زمزم والمشاعر المقدسة. عُرفت هذه القناة باسم "عين زبيدة"، وكانت إنجازًا هندسيًا مذهلًا في ذلك العصر، إذ شارك فيه آلاف العمال والمهندسين، واستمر العمل فيه سنوات طويلة.

لم تكتفِ زبيدة بهذا المشروع، بل أنشأت بركًا وآبارًا على طول درب الحجاج من العراق إلى مكة، عُرفت باسم "درب زبيدة"، حتى يجد المسافرون الماء في كل محطة. وقد أنفقت أموالًا طائلة على هذه الأعمال، حتى قيل إنها أنفقت ثروتها كلها تقريبًا، لكنها كانت تردد: "عملٌ يبقى لي بعد موتي خير من مال يبقى في الدنيا."

إسهاماتها الأخرى في البر

لم يكن عطاؤها مقتصرًا على عين زبيدة فقط، بل امتد إلى أعمال خيرية كثيرة، منها:image about زبيدة بنت جعفر.. سيدة بني العباس وصاحبة عين زبيدة

بناء المساجد والمدارس في بغداد ومكة.

مساعدة الفقراء والمحتاجين في أرجاء الدولة العباسية.

إكرام العلماء والشعراء والأدباء في قصرها.

رعاية الأيتام والأرامل بتخصيص أموال لهم.

وفاتها

توفيت زبيدة بنت جعفر سنة 216هـ تقريبًا، في بغداد، بعد حياة حافلة بالعطاء والخير. شيّعها الناس بحزنٍ شديد، وذكرها المؤرخون في كتبهم بأطيب الذكر.

أثرها الخالد

خلّد التاريخ اسم زبيدة في صفحات المجد، لا لأنها كانت زوجة خليفة فقط، بل لأنها جسدت نموذج المرأة المسلمة صاحبة الهمة العالية التي سخرت مالها ونفوذها في خدمة دينها وأمتها. ولا يزال "عين زبيدة" شاهدًا على إخلاصها وكرمها، يروي قصتها للأجيال المتعاقبة.

خاتمة

إن سيرة زبيدة بنت جعفر تؤكد أن المرأة المسلمة يمكن أن يكون لها دور عظيم في التاريخ، إذا حملت رسالة سامية وسعت في الخير. فهي لم تترك مالًا ولا سلطانًا فقط، بل تركت أثرًا خالدًا يروي للعالم أن العطاء الحقيقي هو ما يرتبط بالآخرة. وهكذا تظل سيرتها مصدر إلهام، تذكّرنا بأن الأجر لا ينقطع بعمل صالح يبقى بعد صاحبه، مصداقًا لقول النبي ﷺ: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له.”

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

7

متابعهم

12

متابعهم

1

مقالات مشابة
-